انتقل اليوم غرة ماي 2017 الى رحمة الله تعالى المفكر التونسي الكبير الدكتور محمد الطالبي عن سن تناهز 92 سنة ، بعد رحلة طويلة في مجال العلم والمعرفة والثقافة والإبداع …
وما اعجبني في الدكتور الطالبي الذي عرفته في خطواتي الاولى في الصحافة في بداية التسعينات وخاصة بعدما قرأت له كتاب » عيال الله’ » انه كرس ما جاء في الحديث الشريف : (اطلبوا العلم من المهد الى اللحد )… فظل ينشط ويؤلف ويجري الاحاديث الصحفية الى اخر رمق … والراحل العزيز مولود في تونس سنة 1921 ، زاول تعليمه بالمدرسة الصادقية بتونس ، وبعد حصوله على شهادة الباكالوريا واصل دراسته الجامعية في فرنسا وتحصل على شهادة الدكتوراه » من « السوربون » …
سنة 1955 عاد الى تونس لتتم تسميته كأول عميد لكلية الاداب في جامعة تونس ، كما درّس التاريخ الإسلامي في الجامعة. وتولى في الثمانينات رئاسة اللجنة الثقافية الوطنية ، وانضم إلى المجلس الوطني للحريات في تونس ، ثم تولى في اول الثمانينات رئاسة اللجنة الثقافية الوطنية …
سنة 2011 عين رئيسا لبيت الحكمة ، ولكنه سرعان ما غادرها بسبب خلافات في وجهات النظر مع مهدي وزير الثقافة انذاك …
اسس سنة 2014 الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين ، وقد الف العديد من الكتب نذكر منها » ليطمئن قلبي » و »عيال الله » و »ديني حريتي « الى غيرها من المؤلفات الاخرى ، كما مارس الكتابة الصحفية في مجلة « جون افريك » لصاحبها البشير بن يحمد …
و بالعودة الى ارشيف مجلة » الاذاعة » وجدت حوارا نشرته هذه المجلة العريقة وأجرته معه الزميلة هندة الرحموني ونشر بتاريخ افريل 2013 ، وللوفاء والذكرى وتعميما للفائدة اختصرنا لقراء البوابة اهم ما جاء فيه :
إجابة عن سؤال حول معاصرته لعدة حكومات من عهد الرئيس الحبيب بورقيبة الى حكومة » الترويكا » بعد ثورة 14 جانفي 2011 وما الذي تغير حسب رأيه قال : بورقيبة حرر البلاد بمعية رجال بررة ، ثم شرع في بناء الدولة الحديثة بعد الاستقلال ، كما عمم التعليم والصحة وحرر المرأة ، وكان ومثقفا وسياسيا ذكيا ، فكانت ايجابياته اكثر من سلبياته اما بن علي الذي خلعه وحل محله في 7 نوفمبر 1987 ،فلم يكن يعرف من السياسة شيء سوى ما يعرفه الشرطي والجلاد فعاش على ارث بورقيبة ، وان كانت دكتاتورية بورقيبة مقبولة استنادا الى ثقافته ونجاح مشروعه التحديثي ، فان دكتاتورية بن علي حمقاء جلادة ثارت من جرائها البلاد انطلاقا من ولاية سيدي بوزيد ،بعد حادثة حرق البوعزيزي لنفسه ، وقد رفعت الثورة شعارات تنادي بالشغل والحرية والكرامة …
وأضاف : وبما ان الثورة كانت دون قيادة ، فبعد مغادرة بن علي للسلطة وللبلاد ، تأسست الاحزاب كالفقاقيع ، حتى فاقت المائة حزب ، وان كان في عهد بورقيبة دولة وشعب موحد يعرف من يقوده ، الا ان بعد الثورة اصبحنا نعيش وسط شعب مشتت ليس له بوصلة تهديه …
وأضاف : كنت اتمنى ان ان تكون هناك قوة عريضة لها برامج مدروسة ، تعرف من اين تنطلق والى اين تصل ، وهناك ايضا في المقابل قوة اخرى لها برنامج يضاهي او يفوق برنامج القوة الاولى ، وبالتالي تحصر الاحزاب في حزبين كبيرين على غرار ماهو امريكا وانتهى الامر … ولكن بما ان لكل حزب من المائة المذكورة له برنامجه وتصوره تشتت الاراء وتشتت الاصوات والكل يتكالب على الكرسي …
واجابة عن سؤال حول كتاب » ليطمئن قلبي » وما خلفه من اشكاليات وجودية قال : لاني بعد سن الطفولة بدأت تكثر بذهني التساؤلات …وقد قرأت كتبا كثيرة والمختلفة وعرفت الفلاسفة وعرفت الغرب وعشت فيه ما يقارب العقدين من الزمن ، واختلطت بالمسيحية وباليهودية وبالمستشرقين … ومن هذا المنطلق كثرت في ذهني التساؤلات …وبعد تأليف الكتاب كنت مطمئنا لاني اخترت نهج التفكير والتأمل …
وبخصوص مقولته » ديني حريتي قال : في مجتمع منظم كل الحريات لها حدود …ومن يريد حرية بلا حدود يجب الا يعيش في مجتمع وان يلوذ بالعزلة الكاملة ، لان حرية كل فرد تقف عند حرية غيره …
واختتم الحوار بإجابة عن سؤال حول سر شبابه الدائم فقال : الشباب في العقل لا في الجسم فكم من شاب شيخ في عقله قوي في جسمه ، وكم من شيخ روض فكره على التفكير ليبقى شابا في تفكيره …
لبوابة الاذاعة التونسية : عبد الستارالنقاطي