لبوابة الاذاعة التونسية : عبد الستار النقاطي
يبقى الفنان حمودة معالي بحق احد المبدعين الكبار في مجال المسرح ، وخاصة المسرح الإذاعي الذي هو احد مؤسسيه ، وهو بحق « مدرسة الشعب » الذي لطالما اسعد جمهور المستمعين بروايات ومسرحيات بعضها مازال يبث إلى اليوم ، وعلى سبيل الذكر لا الحصر مسلسل « الحاج كلوف » دون أن ننسى سلسلة »أمي تراكي ناس ملاح » ومسلسل « شناب « … هذه المسلسلات الاذاعية الخالدة وغيرها لطالما شدت المستمعين بفضل نصوصها المتنوعة التي كان هدفها التوعية والتثقيف والترفيه وان تجاوزنا العشرية الاولى للقرن الحادي والعشرين فنحن مازلنا نتفاعل مع الأعمال المذكورة فنضحك « لكلوف الحاج كلوف » وغباء « الحطاب » وسذاجة « شناب » … وها هي الاذاعة الوطنية قد بقيت وفية لهؤلاء الجهابذة على غرار الفنان حمودة معالي وصلاح الدين البلهوان وعزالدين بريكة والزهرة الفائزة وعبد العزيز العروي وغيرهم ، فهي تعيد على مسامع جمهورها الوفي حلقات يومية للأعمال المذكورة آنفا في برنامج » فونوتاك » الذي يعده ويقدمه سيف الدين الكافي ويبث كل يوم بعد نشرة الساعة الخامسة مساء ويعاد بثه في الساعة الثانية بعد منصف الليل .
وبما ان نجاح سلسلة « الحاج كلوف » كانت في شهر رمضان المعظم في بداية الستينات وبما ان الحنين مازال يشد المستمعين لمثل هذه الأعمال ، سنتناول في هذا المقال شخصية حمودة معالي بطل « الحاج كلوف » حتى تتعرف عليها اجيال اليوم …
البداية من المسرح المدرسي …
سرغرام حمودة معالي بالتمثيل يعود الى ايام الدراسة وبالتحديد في مدرسة « خيرالدين بالضاحية الشمالية للعاصمة ، بما أن حمودة معالي من سكان منطقة الكرم ، وكان مدير تلك المدرسة المربي مصطفى بن عبدالله مولعا بالمسرح ، وكان يراه ضرورة اساسية في الشأن التربوي ، فأسس ناد للمسرح اختار لهم ثلة من التلاميذ ومنهم حمودة معالي ، وفي كل حصة يوزع عليهم رواية قصيرة ، كما اختار المربي الفاضل بلحسن بن شعبان ليشرف على التمارين والتاطير والإخراج
سنة 1949 جاءت الى تونس فرقة مسرحية مصرية اسمها فرقة « جيران النجوم » فأخذه شقيقه لمشاهدتها فأعجب به شديد الإعجاب بأجواء الركح وبأداء الممثلين ، ولما عاد الى المنزل صار يقلدهم بوضع ( الكحل) على وجهه لتغيير شكله بعد ان يسرق القارورة في غفلة من امه .
ملك فرنسا …
اول دور تقمصه حمودة معالي كان دور « ملك فرنسا » في مسرحية « صلاح الين الأيوبي » التي قدمتها فرقة السعادة للمسرح بإدارة الفنان الجزائري توفيق المدني ، وكان من بين الممثلين المشهورين وقتها ابراهيم الاكودي أصيل منطقة (اكودة ) بجهة الساحل وقد ذاع صيته بعد أن تقمص دور » عطيل » في المسرحية التي تحمل الاسم نفسه ، كما عرف بتشجيعه لكل مغرم بالتمثيل وتكوينه الجيد في المسرح وقد تخرجت على يديه عدة اجيال … بعد نجاحه في ذلك الدور عمل حمودة معالي في فرقة » السعادة » وفي فرقة « المستقبل التمثيلي » لصاحبها البشير المتهني ومحمد الحبيب ، وجمعية التمثيل العربي لصحبها جورج ابيض.الى جانب مشاركه في روايات من اخراج البشير الرحال والمنجي بن يعيش ..وآخر فرقة عمل معها هي فرقة « المسرح الشعبي » بإدارة عبد المجيد بوديدح.
المسرح الاذاعي …
سنة 1952 اسس الفنان حمودة معالي الفرقة التمثيلية للإذاعة التونسية واختار عناصرها وهم على النحو التالي : محمد الهادي ونجوى اكرام و توفيق العبدلي وعبد الرزاق عبيريقة وعبد العزيز العرفاوي واحمد التريكي و صالح المهدي ( الممثل لا الموسقي) وعبد المجيد بوديدح ، ثم انظم إليها في ما بعد كل من محمد بن علي وعزالدين بريكة وفاطمة البحري والزهرة فائزة وجميلة العرابي والحطاب الذيب ودلندة عبدو ونعيمة المهدي وغيرهم …
الحاج كلوف …
تبقى مسرحية « الحاج كلوف » من أشهر المسرحيات التي انتجتها الفرقة التمثلية للإذاعة التونسية وتواصل بثها لمدة طويلة وخاصة في شهر رمضان المعظم ، وهي من تأليف المربي الفاضل والشاعر الكبير احمد خيرالدين ، وقد تقمص دور البطولة فيها باقتدار الفنان حمودة معالي ، مما جعله ينال شهرة واسعة مازالت متواصلة إلى اليوم ، كما أن تلك الشخصية صارت مضرب الأمثال ، وعندما يتدخل شخص في ما لا يعنيه يقولون انه « الحاج كلوف ».
من الإذاعة إلى التلفزة …
عندما انطلقت التلفزة التونسية في البث التجريبي في جانفي سنة 1966 ، اختارت ادارة الاذاعة تحويل 8 حلقات من من السلسلة الإذاعية الشهيرة وقتها » الحاج كلوف » لبثها تلفزيا ، وقد تقمص دور البطولة فيها كل من الفنان محمد بن علي فى دور « الحطاب » المعروف « بالشخير » أثناء حديثه الى جانب الزهرة فائزة وصالح المهدي (الممثل لا الموسيقي) وعبد العزيز العرفاوي ، مع العلم بان الممثل البشير الرحال (والد الفنانة علية ) هو من تقمص شخصية الحاج كلوف في التلفزة وقد نجح في ادائها وهي مازالت راسخة في اذهان الجمهور الى اليوم .
الاثر الخالد …
تأثر الفنان حمودة معالي برحيل صديقة العزيز الأديب احمد خيرالدين مؤلف شخصية » الحاج كلوف »، فتدهورت صحته وأقعده المرض وشل حركته طيلة 13 سنة …وفي اخر يوم من شهر ديسمبر سنة 1980 توفي الفنان حمودة معالي بعد رحلة طويلة ومتنوعة مع المسرح والإذاعة والتلفزة ، وترك بصماته جلية على كل الاعمال التي ألفها أو أخرجها أوتقمصها ، وتقديرا لما قدمه للثقافة كرمته بلدية الكرم وأطلقت اسمه على دار الثقافة بالجهة ، كما بادرت بإطلاق اسمه على احد انهج هذه المدينة وهي مسقط راس هذا المبدع بصيغة الجمع .