واكب جمهور متوسط العدد الليلة الماضية بمسرح الهواء الطلق بالحمامات عرض الأخويْن حمزة وأمين المرايحي وعرض الفنان ياسين بولعراس وذلك ضمن فعاليات الدورة 53 لمهرجان الحمامات الدولي.
وأمّن الأخوان المرايحي الجزء الأول من السهرة بعرض دام 90 دقيقة وحمل عنوان « فرقة ما وراء الحدود ». ويُزاوج الأخوان في هذا العرض بين ثراء الموروث الموسيقي الشرقي وموسيقى الجاز والريغي، وقد امتزجت فيه آلتيْ العود (أمين مرايحي) والقانون (حمزة مرايحي) بآلات الكمنجة (بايجو باهات) والساكسوفون (فالونتان سوكوس) والطبلة (برابهو ادوارد)، مشكّلة إيقاعا سريعا عذبا يتخطى الحدود، ويحمل في مضمونه رسالة إنسانية تدعو لقبول الآخر والتعايش السلمي بين الأديان والثقافات.
وراوحت المجموعة الموسيقية بين المعزوفات الجماعية والمنفردة خاصة، فجمعت آلتيْ العود والطبلة تارة والساكسوفون والقانون طورا أو آلات القانون والطبلة والقيتارة معًا، فبدت كأنها حوار ثلاثي بين حضارات مختلفة لم تقدر اللغة على جمعها، فجمعتها لغة الموسيقى ووحّدتها، وهو أيضا ما تجلّى من خلال جنسيات العازفين الذين ينحدرون من ثقافات مختلفة عربية وهندية وغربية.
واستهلّت مجموعة الأخويْن المرايحي الموسيقية عرضها بمقطع يحمل عنوان « إبراهيم »، ويروي من خلاله حمزة وأمين المرايحي قصة شيخ رافضٍ للأنماط الموسيقية العصرية وحاملاً موقفا سلبيا منها، لكنه بمجرّد سماعها من حفيديْه، والتعمّق في معناها غيّر موقفه تجاهها وأصبح متعطّشا لسماعها باستمرار.
وأبرز حمزة المرايحي في تصريح أدلى به لوكالة تونس إفريقيا للأنباء أنّ الانفتاح على الثقافات الأخرى يشكّل رافدا للتنوع الثقافي والحضاري ويؤسس للتعايش السلمي بين مختلف الثقافات وينتصر للحريات وللإنسانية جمعاء.
ويمتلك الأخوان المرايحي رصيدا موسيقيا زاخرا يتمثّل في إطلاق 8 ألبومات موسيقية اشتركا في إنجازها مع موسيقيين من مختلف أنحاء العالم. وجمعا فيها بين أنماطٍ موسيقية عديدة وهي بمثابة رحلة في عالم حرّ لا حدود جغرافية له. ومن ضمن هذه الألبومات الموسيقية « على مر الزمان » و »إلى هناك » وأسفار » و »ماني ناسي » و »إليها وإليه ».
أما الجزء الثاني من هذه السهرة، فقد أمّنه الفنان التونسي الشاب ياسين بولعراس بعرض دام 60 دقيقة وحمل عنوان « أجويو » وهو مصطلح مستمدّ من الثقافة الإفريقية ومن نيجيريا تحديدا، وتعني البهجة والفرحة والدعوة إلى الاحتفال بقيم الحياة وجمالها.
وهذا العرض « أجويو » ضمّ باقة من الأغاني التي ألّفها عازف السكسفون ياسين بولعراس ولحنها أيضا رفقة مجموعته التي أسسها سنة 2012. وتتألّف من من المغنية « سارة إليزاببت تشارلز » وعازف البيانو « بنيامين راندو » وعازف الغيتار « رالف لافيتار » و »جوليان هيرن » على آلة الباص إلى جانب عازف الباتري « غيلهام فلوزات ».
أخذ العرض جمهور مهرجان الحمامات الدولي في رحلة موسيقية إلى عالم الجاز والسول حيث تصدح ألحان آلة السكسفون عاليا مع إيقاعات آلة الباتري الصاخبة وتتداخل فيها بين فينة وأخرى الموسيقى الإفريقية التقليدية لترسم بذلك نسيجا احتفاليا إفريقيا بريشة غربية وتفتح باب الحوار والتلاقح بين الثقافات.
وعزفت المجموعة بآلاتها الموسيقية الغربية ألحانا للحب والسلام واستماتت في الدفاع عن الموروث الثقافي الإفريقي الذي تشكله فسيفساء من الإيقاع المحرك للحياة والداعي إلى نشر قيم التسامح والقبول بالآخر.
هذه الدعوة إلى تلاقي الثقافات والتفاعل الإيجابي فيما بينها، يجسدها الفنان الشاب ياسين بولعراس في المزج بين إيقاعات الأفروبيت والجاز، وليخترق عبر ثنايا هذه الإيقاعات الحدود الجغرافية بما أنه من أصول تونسية وعاش في باريس قبل أن يستقر بنيويورك، فألهب الحماسة لدى الجمهور الذي تفاعل مع جميع فقرات العرض.
ياسين بولعراس الذي يعد من أمهر عازفي الساكسفون في العالم، توج سنة 2006 بجائزة أفضل عازف في مسابقة « روح الجاز » والتي فسحت له المجال للتعامل مع كبار فناني الجاز على غرار تشيلا جوردن وتابو كومبو وريتشارد بونا، كما جعلته يسلك طريق العالمية في كبرى المهرجانات.
لم تثنه شهادته العلمية في اختصاص الفلسفة عن كبح جموحه نحو الموسيقى، وأبى إلا أن يساير شغفه وولعه الشديد بهذا الفن، فدرس بالمعهد العالي للموسيقى بباريس حيث نال شهادة تخرجه في اختصاص الجاز والموسيقات المرتجلة.
ياسين بولعراس شاب في الخامسة والثلاثين من عمره ذاع صيته كعازف ساكسفون بين أشهر فناني الجاز في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يقيم بمدينة نيويورك منذ العام 2009. وفي مطلع العام الحالي، أطلق ألبوما موسيقيا جديدا حمل عنوان « بوسعدية » ويضم 11 معزوفة موسقية، منها « دار الشمس » و »اختفاء » و »بحرية » و »تخميرة » و »سعدية » و »النوبة ».