« المغروم يجدّد » مسرحية كوميدية موسيقية، تدور أحداثها في « كافيشانطا » بباب سويقة على ملك ناشط في الحركة الدستورية يدعى « محرز »، يواجه أزمة مالية خانقة بعد رحيل زوجته اليهودية وأسرتها عن تونس بعد الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1967، فيحاول لمّ شمل فريقه الموسيقي لإعداد برنامج سهرات الكافيشانطا في رمضان. فتتخلّل هذه التمارين على العرض مواقف متباينة بين الشخصيات حول الوضع بالبلاد بعد أكثر من 10 سنوات على الاستقلال.
وعلى مدى 90 دقيقة تم استعراض أحداث هذه المسرحية وهي من إخراج الأسعد بن عبد الله وتأليف الحبيب بالهادي، وقد تمّ تقديم عرضها ما قبل الأوّل في سهرة أمس الاثنين على ركح مهرجان الحمامات الدولي في دورته الثالثة والخمسين.
وتضمّن العمل المسرحي مقاطع غنائية للفنان صالح الخميسي ومثلت الأغاني عنصرا أساسيا لرمزيتها. ومن بين هذه الأغاني « تدوير الدم ولا الهم » و »يا خبيثة يا دبوزة » و »كل ما يعطيك جهدك يجيك » أدّاها كل من فتحي مسلماني (محرز) جمال مداني (زمني) فرحات الجديدي (فرحات) قيسالة نفطي (مامية) مريم الصياح (عيشة) حاتم لجمي (رضا) ووجدي البرجي (جوادو).
ويهدف هذا العمل إلى إبراز حقبة تاريخية عرفتها تونس بعد الاستقلال، وهي فترة تشبه إلى حدّ كبير ما عرفته تونس من أحداث بعد ثورة 14 جانفي 2011، من كتابة دستور والحديث عن مبادئ الجمهورية الثانية وغيرها. كما أنه يحيي تراثا موسيقيا ويكرّم الفنان صالح الخميسي الذي يعتبر أوّل فنان تونسي يتمرّد على السياسة البورقيبية المنتهجة إثر الاستقلال، فكانت « الكافيشانطا ملاذه للغناء والسجن عاقبته.
تستحضر المسرحية محطات مهمة من تاريخ تونس منها معركة الجلاء ببنزرت وموقف الحبيب بورقيبة من القضية الفلسطينية وواقع الحريات في البلاد بعد الاستقلال وسلبيات السياسة التي انتهجها بورقيبة في حكمه وإيجابياتها كفشل فكرة التعاضد والتضييق على الحريات من ناحية، وتحرير المرأة ونشر التعليم والصحة من ناحية أخرى.
وتمّ نقل بعض المواقف في « المغروم يجدّد » بأسلوب هزلي ساخر (كوميديا سوداء) في ظاهرها، لكنها حبلى بالرموز والمعاني في مضمونها، من ذلك أن المكان وهو الكافيشانطا يرمز إلى تونس، أما الشخصيات والعلاقات فيما بينها فتدلّ على النخبة السياسية التي تحاول الظفر بأكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية وإن كان على حساب المصلحة العليا للدولة، فيما توحي التمارين على العرض أو « البروفة » كما يصطلح تسميتها بالتجارب التي تعتمدها الحكومات في إدارة شؤون الدولة دون الاستناد إلى برامج دقيقة وواضحة المعالم للخروج من الأزمة التي تمرّ بها. وهو ما يتجلّى في الانقطاع المستمر للتمارين نتيجة عدم سداد مستحقات الفنانين وغيرها من المواقف.
يحمل هذا العمل إشارات قوية إلى واقع الفن والفنان في تونس، وهو واقع تراجيدي يصوّر الظروف المعاشية القاسية التي يمرّ بها الفنان (جمال مداني) نتيجة « الإهمال المتعمّد » من السلطة السياسية ليظل مقيّدا بالتراتيب التي يفرضها الحاكم، في المقابل تبرز المسرحية صورة الفنان الانتهازي (عبد القادر الجديد) الذي بدت عليه علامات الترف والثراء نتيجة تقرّبه من صنّاع القرار في الدولة من وزراء ومسؤولين سامين.