« التحكم في الموارد البشرية والتقليص من حجم الضغط المسلط على الوظيفة العمومية، مسألة لن تؤثر على نوعية الخدمات المقدمة للمواطن ولن تضر بالإدارة التونسية »، هذا ما أكدته المديرة العامة للوظيفة العمومية، فضيلة الدريدي التي بينت في حوار لها مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء أنه سيتم في هذا الجانب « استغلال العدد الكبير الذي تم انتدابه منذ سنة 2011 بحسن توظيفه وإعادة توزيعه عند الإقتضاء بين الإدارات لتلبية حاجيات النقص في بقية الإدارات ».
وقالت الدريدي إن المرور من 450 ألف موظف سنة 2011 إلى 640 ألفا في الوقت الراهن، مسألة أثرت على الوظيفة العمومية وعلى كلفة الأجور وجعلت الحكومة تنتهج توجها عكسيا نحو التحكم في ارتفاع العدد والتقليص من حجم الأجور من 14 بالمائة بالنسبة إلى الناتج الوطني الخام إلى 12.5 بالمائة في أفق 2020″، موضحة أن « تونس تأتي في مقدمة الدول من حيث ارتفاع كتلة الأجور، مما جعل الحكومة تسعى إلى التخفيض من هذه النسبة، عبر الحد من الإنتدابات قدر الإمكان والتقليص من نسبة الترقيات ».
// إشكاليات الفترة الإنتقالية
ولاحظت المسؤولة في هذا الجانب أن الوظيفة العمومية تعاني اليوم إشكاليات الفترة الإنتقالية وما تبعها من استجابة لمطالب الأوضاع الإجتماعية، مبينة أن الإنتدابات التي شملت الوضعيات الهشة للتشغيل وانطلقت بتسوية وضعيات عمال المناولة وعمال الحضائر والعرضيين وفئات عديدة للعائلات المعوزة وبعض حاملي الشهادات الذين طالت بطالتهم، قد شكلت ضغطا على القطاع العام.
كما أضافت أن هذه المسائل والتي من بينها كذلك الإستجابة لمطالب الزيادات ومراجعة الأنظمة الأساسية، « استنزفت جزءا كبيرا من الإهتمامات المكرسة لإصلاح الوظيفة العمومية وحالت دون الإهتمام بالقدر الكافي بالمسائل والمحاور الإستراتيجية التي تخص تطوير وإصلاح منظومة الوظيفة العمومية التي تراهن البلاد على قدراتها البشرية والتي تعد إدارتها مقوما أساسيا في عملية التنمية ودفع الإستثمار ».
ولفتت إلى أن الوظيفة العمومية تشهد تضخما من حيث عدد الأعوان العموميين والموظفين، مبينة ان العدد الجملي للموظفين اليوم هو 640 ألف موظف وأن عدد الإحالات على التقاعد العادي لم يتغير عما كان في السابق والذي كان في حدود 5 آلاف و10 آلاف إحالة، معتبرة أن ارتفاع معدل الإنتدابات بما يفوق 20 ألف انتداب سنويا، جعل الإدارة تتضخم من حيث العدد وتؤثر على كلفة الأجور. وأوضحت أن معدل الإنتدابات كان خلال الخماسية التي سبقت الثورة، في حدود 10 آلاف سنويا .
وقالت إن الإنتدابات لم تكن لتلبية حاجيات حقيقية للمصالح الإدارية بقدر ما كانت استجابة لطلبات ووضعيات إجتماعية وأدت إلى تضخم خاصة بالإدارات على المستوى الجهوي التي تشهد تضخما في العدد يفوق 100 موظف والحال أنها لا تتطلب سوى 10 موظفين مبينة أن سبب ذلك تسوية ملفات عديدة لعمال الحضائر والآلية 16 وعمال المناولة والعفو العام وعائلات الشهداء وتوجه الإدارة نحو إبقائهم بالأماكن التابعين لها.
وبينت أن الحكومة ولتجاوز هذه الإشكاليات اختارت التوجه العكسي نحو الضغط على عدد من الموظفين من خلال التحكم في ارتفاع عدد الموظفين وفي حجم الأجور مبينة ان هذا الهدف رسمته الحكومة لسنتي 2017 و2018 بإيقاف الانتدابات.
وفي هذا الجانب بينت أنه سيتم الاخذ بعين الإعتبار بعض الإستثناءات وستظل الحكومة بالتنسيق مع مصالح وزارة المالية تستجيب للحاجيات المتأكدة للإدارات العمومية للعمل على عدم إيقاف المرفق العام والتأثير على نوعية الخدمة المقدمة للمواطن لافتة إلى أن التحكم في الموارد البشرية يقتضي عدم التأثير على نوعية الخدمات المقدمة .
وقالت في هذا الشان إن للحكومة توجه في هذا الإطار بالتشجيع وتسهيل الإجراءات لطالبي النقلة وبتمكين طالبي الإضافة من ذلك في إطار إعادة التوزيع مع دعوتهم لإعداد بلاغات في تسديد الشغورات عن طريق النقلة من مؤسسات عمومية اخرى .
// التقاعد المبكر والمغادرة الطوعية
من جهة أخرى لفتت المتحدثة إلى أن الدولة وللحد من حجم الضغط الذي تعاني منه الوظيفة العمومية قد وضعت برنماجين اثنين الأول تعلق بالتقاعد قبل السن القانونية والذي صدر فيه القانون عدد 51 لسنة 2017 والذي سيمكن الموظفين بمختلف الأسلاك من الخروج إلى التقاعد مع دفع كامل التغطية الاجتماعية المتعلقة بهم حتى بلوغهم السن القانونية للتقاعد.
وبينت في هذا الإطار أنه تم وإلى حدود 2 أكتوبر الماضي (آخر أجل لقبول الملفات) تلقي 6400 مطلبا وهو عدد مقبول بالنظر إلى أن الحكومة رغبت في أن يكون الإقبال ما بين 5 الاف و7 آلاف العدد مقبول.
ولفتت إلى انه الراغبين في التقاعد سيتمكنون من ذلك سنة 2018 موضحة انه يتم في الوقت الحالي دراسة المطالب والتثبت من الوثائق الإدارية والإجراءات .
أما البرنامج الثاني والمتعلق بالمغادرة الطوعية وفق تعبيرها فقد بينت أنه تأخر مقارنة بإجراء التقاعد المبكر لكنها أشارت إلى أنه سيمكن كل موظف يرغب في ذلك من الخروج مقابل منحة تحفيزية.
وبينت أن هذه المسائل تم ضبطها بمشروع القانون الذي تم عرضه مؤخرا على مجلس الوزراء وحظي بمصادقة المجلس موضحة أنه سيمكن الموظف الذي قبل بالمغادرة الطوعية من منحة تتمثل في أجره كاملا للثلاث السنوات.
وقالت إن هذه المسألة لن تؤثر بل ستخفف من عبء الموظفين في المستقبل من حيث ضغط العدد وحجم الأجور
وافادت بان الحكومة تنتظر خروج 10 ألاف موظف عبر هذا الإجراء مبينة أن الانطلاق في تنفيذه سيكون سنة 2018 إذا ما تمت المصادقة على مشروع القانون المتعلق به بالبرلمان ليكون العدد الجملي للمغادرين بين التقاعد المبكر والمغادرة الطوعية في حدود 16 الف و500 موظف معتبرة أن هذه البرامج ستمكن من التحكم في العدد والكلفة.
وبخصوص تعصير الإدارة لفتت الى إن الحكومة قد وضعت جملة من البرامج كتطوير الإدراة الإلكترونية وتعميم دور الخدمات لتقريبها من المواطن أين ما كان.
أما عن قانون المصالحة في المجال الإداري وما سينجر عنه من تبعات على الإدارة التونسية فقد بينت إن هذا القانون قد أنصف بعض الموظفين الذين مرروا قرارات إدارية تحت الضغط وسيمكن من العمل بأكثر أريحية في ظل تطبيق القانون.
واكدت أنه بمقتضى هذا القانون يمكن للإدارة ان تستفيد من بعض الموظفين السابقين الذين تعلقت به تهم ولم تصدر في شانهم أحكام وذلك عبر إعادتهم إلى العمل وإدماجهم مجددا لدفع الإدارة بالنظر إلى كفاءتاهم.
// مسائل استراتيجية وآليات جديدة
على صعيد آخر أكدت الدريدي أنه يتم اليوم العمل على مسائل إستراتيجية تخص الوظيفة العمومية كمراجعة قانونها الذي لم يراجع لأكثر من 30 سنة مبينة في هذا الجانب وجود مشروع بصدد التفاوض في شانه مع إتحاد الشغل في بعض الجوانب .
واضافت إن الهدف من مراجعة هذا القانون هو تحديث أساليب التصرف في الموارد البشرية وتطويرها وإدخال آليات جديدة تكون أكثر مواكبة للعصر وملاءمة مع المبادئ التي أقرها الدستور والمتعلقة بشفافية الإدارة والمساءلة والحياد من بينها تقييم الموظف
وبينت ان الحكومة تعمل على الاقتراب من التجارب العالمية في هذا المجال لإدخال حركية على الوظيفة العمومية مشيرة الى أنه « سيتم ضبط نظام للتقييم والتأجير حسب الأداء في بعض جوانبه من اجل الوصول إلى صيغة ولو في نسبة صغيرة من الأجر تكون في علاقة بنوعية الأداء للموظف ».
ولفتت إلى أنه سيتم مراجعة القانون في اتجاه تطوير الوظيفة العمومية عبر دعم التكوين وتكريسه على مستوى القانون ليصبح تنظيم دورات تكوينية بالإدارة ضرورة لافتة في هذا الجانب إلى ضعف التكوين لدى الموظفين ومبينة أن التوجه نحو إقراره يهدف إلى تحسين جودة الخدمات وتطوير الإدارة و نوعية الخدمة وتحسين علاقة الموظفين مع طالبي الخدمات.
كما أشارت إلى أن المراجعة تهدف كذلك الى تحسين طريقة الانتداب عبر إيجاد نظام انتداب يجعل الادارة تستوعب اقدر الكفاءات وذلك لعدم الاقتناع بالطريقة الحالية (المناظرة على المواد) وإلى إقرار نظام خاص للوظائف العليا كالمديرين العامين والرؤساء المديرين والكتاب العامين للوزراء لتصبح مسألة اختيارهم تتم على أساس برامج وأهداف ويتم تمييزهم بنظام تأجير خاص.
