لبوابة الإذاعة : عبد الستار النقاطي
حسب العادات والتقاليد التونسية يكون اليوم (موكب فرق ) الراحلة حورية القلاتي فقد فقدت الإذاعة التونسية يوم السبت 19 ماي 2018 زميلتنا حورية ،وهي واحدة من ابرز الإذاعيات المتألقات في ميدانها ، فقد كانت إذاعية ماهرة تتقن السباحة على موجات الأثير…ولا غرابة في ذلك بما أن عشقها « للراديو » كان منذ الصغر ، فقد سحرتها أنغامه وشدتها الأصوات الصادرة منه ، فكانت مستمعة وفية لإذاعة تونس الدولية وخاصة المنشطة فائقة التي كان يشدنها إليها صوتها وطريقة تنشيطها ، وكذلك برامج الإذاعة الوطنية ومنها « أغنية لكل مستمع » و »المسرح الإذاعي » وخاصة صوت الممثل القدير محمد الهادي ، ولم تتوقع يوما ما أنها ستصبح احد نجمات « إذاعة تونس الدولية » … كبرت الفتاة الحالمة وكبر معها حلمها فتعلمت الموسيقى والرقص الكلاسيكي ، ثم درست علم النفس بفرنسا ، إلا أن عشقها تغلب عن اختصاصها فانتدبتها « إذاعة تونس الدولية » كمذيعة ربط في البداية ثم دخلت غمار الإنتاج والتنشيط …
عن هذه الرحلة الطويلة والمتنوعة عبر موجات الأثير تحدثت الإذاعية حورية القلاتي ، في الحوار الذي أجريته لها في « العدد « 19 من « مجلة الإذاعة » مارس سنة 2010… وعن بدايتها قالت : سنة 1975 تقدمت بمطلب لإذاعة تونس الدولية للعمل كمذيعة فكان الرد ايجابيا وقد أجرى لي السيد المكي بن حمادي تجربة صوتية وكانت النتيجة ايجابية ، وقد بدأت العمل في البداية كمذيعة إرسال ، ، ثم بتعويض المنشطة فائقة في بعض الحصص فكنت في قمة السعادة ، فالمرأة التي كنت مجرد مستمعة وفية لها ، شاءت الأقدار أن أصبح زميلتها وأقوم بتعويضها وقد شجعتني كثيرا بعد تلك التجربة الأولى في التنشيط …
أما أول برنامج من إعدادي وتقديمي فكان باقتراح من مديرة البرمجة آنذاك السيدة لطيفة زهير وكان بعنوان « taxi musique » ثم أنتجت برنامجا آخر بعنوان « خرافات للأطفال » ومن خلال ذلك البرنامج تحصلت على جائزة أحسن مذيعة في الاستفتاء السنوي لجريدة « الإعلان » وكان ذلك ستة 1986 .
ومن أهم البرامج التي قدمتها برنامج « حديقة السعادة » وقد نال هو الأخر نجاحا ومتابعة من قبل المستمعين وقالت عنه : لقد استوحيت فكرته من حديقة منزلنا بجهة المرسى ، التي كانت حافلة بالزهور والورود المتنوعة ، وكنت أرى فيها جمال الدنيا وبهجة الحياة ، وقد ساعدني في تقديم البرنامج « ملك » الزهور والورود العربي بالحاج صادق …
وإجابة عن سؤال حول كيفية بعث مشروع نموذجي لتكوين الشبان انطلاقا من محتوى البرنامج قالت :نعم هذا صحيح فقد كان من بين مستمعي برنامج « حديقة السعادة » سفير بريطانيا بتونس وقد اتصل بي عديد المرات ليشكرني عن الأسلوب المبسط الذي كنت أقدم به البرنامج …سنة 1997 اتصل بي من جديد وأعلمني أن محتوى البرنامج جعله يفكر في بعث مشروع نموذجي بجهة حي التضامن من ولاية أريانة ، أطلق عليه اسم » عدنان » وتمثل ذلك المشروع في تكوين الشبان ليصبحوا مختصين في البستنة والحدائق، وكانت « إذاعة تونس الدولية » هي همزة الوصل بطبيعة الحال .
أما عن سر بث أغاني و موسيقى عربية في إذاعة ناطقة بالفرنسية قالت: لقد كان وراء الفكرة المنشط الزميل نجيب الخطاب فقد كان مستمعا وفيا لبرامجي ، وكنت ذات مرة في شهر رمضان المعظم قد اخترت أغنية دينية بعنوان « وحقك أنت المنى والطلب » لكوكب الشرق أم كلثوم ، فاتصل بي نجيب ليشكرني على هذا الاختيار ، كما تلقيت عديد المكالمات من المستمعين الذين استحسنوا الفكرة فواصلت هذا الاختيار ، كما أنتجت برنامجا عن رواد الموسيقى العربية على غرار الموسيقار محمد عبد الوهاب .
وبخصوص الأسماء التي حاورتها طوال مسيرتها وبقيت راسخة في ذهنها قالت : هي أسماء عديدة وشخصيات كثيرة في مجال الأدب والفكر والسياسة والحقوق اذكر منها : « لويس بار » الملقب بأمير الحدائق والحامية الكبيرة المقيمة بفرنسا « جيزال حليمي » والأديب مؤلف كتاب » التراث وكيفية حمايته في تونس « وزير الثقافة الأسبق محمد العزيز بن عاشور.
واختتمت الحوار في المجلة بالقول :خاطبني السيد المولدي الهمامي مدير الإذاعة الوطنية في جويلية سنة 2007 هاتفيا ، واقترح علي طلب ، ظننته في البداية مداعبة وهزل منه ، نظرا للصداقة والزمالة التي كانت تربطني به لكنه تحول إلى « أمور جدية » إذ طلب مني تعوض المنشطة بثينة قويعة في برنامج مسائي يبث على موجات الإذاعة الوطنية …أصبت برهبة قبل دخولي « أستوديو 2″ ثم تداركت الآمر فتلوت سورة الفاتحة وقلت 
ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري) جلست أمام المصدح فانساب الكلام من فمي وكأني متعودة على التنشيط بالعربية …
رحم الله هذه الإذاعية الكبيرة التي أعطت الكثير واجتهدت في عملها ، وغادرتنا فيفي غفلة منا .
