لبوابة الإذاعة : عبد الستار النقاطي
غادرنا إلى مثواه الأخير يوم الأحد 6 جانفي 2019 السيّد محمد عبد الكافي ويعتبر الراحل واحد من ابرز رموز ورجالات الإذاعة والتلفزة التونسية ، فقد تولّى عبر مسيرته المهنية إدارة إذاعتي المنستير وصفاقس ثم التلفزة الوطنيّة .
والمتأمل في مسيرة الفقيد يجدها قد مرت بالعديد من المحطّات المهمّة في العمل الإذاعي و التلفزي، وكانت إذاعة المنستير المحطة الأولى ، حيث عين أوّل مدير لها من سنة 1980 إلى سنة 1984 بعد أن أشرف عليها مؤقّتا المرحوم قاسم المسدّي بالتزامن مع إدارته لإذاعة صفاقس ، وما يحسب لمحمد عبد الكافي دوره الايجابي في تطويرا الجوانب التشريعية للإذاعة المذكورة بعد تأسيسها .
ولما سمي سنة 1984 مديرا للإذاعة الجهوية بصفاقس ، لعب دورا مهمّا في تطويرها ، مما جعلها تتجاوز طابعها الجهوي إلى الوطني من خلال تشجيع الكفاءات من المتعاونين الخارجيين ، وتحفيز العاملين القارين بها وشحذ هممهم لمزيد البذل والعطاء والإضافة ، كما ساهم مساهمة فعالة في دفع الإنتاج الدرامي الإذاعي وتشجيع هواة ورواد المسرح الإذاعي ، فكانت جل البرامج المسجلة والمباشرة تحتوي على مسامع تمثيلية ، مما جعل هذا اللون من الإنتاج الدرامي يصبح من التقاليد الراسخة في إذاعة صفاقس ، كما عمل الراحل على تحديث المركز التلفزي في صفاقس وخاصة » الأستوديو » الذي كان عبارة عن محطّة تلفزية ثانية، فقد كانت إدارة التلفزة الوطنية تستنجد به عندما يكثر الضغط عليها من ناحية الإنتاج فيكون المركز متنفسا لها ليتواصل العمل بنفس النسق.
وان كانت بداية الأستاذ محمد عبد الكافي ، في مصلحة الدراما بالتلفزة التونسية بعد تأسيسها سنة 1966 ، فقد عاد إليها كمدير سنة 1992 ، وما يحسب له هو اهتمامه الكبير بملف الإنتاج الدرامي التلفزي للقناة الوطنية ، فتم تصوير العديد من المسلسلات الناجحة على غرار » الدوار » تأليف وبطولة حسين المحنوش وإخراج عبد القادر الجربي ، و » العاصفة » تأليف احمد عامر وإخراج عبد القادر الجربي ، و » الخطاب على الباب » (جزء 1 و2) تأليف علي اللواتي وإخراج صلاح الدين الصيد ، و »سباعية أمال » تأليف المنصف الأزعر وإخراج سالم بن عمر . وتجدر الإشارة إلى أن الأستاذ محمد عبد الكافي كتب أيضا للمسرح الإذاعي ، كما ألف للتلفزة الوطنية بمعية صديقه المبدع فرج شوشان أطال الله عمره المسلسل التاريخي مسلسل » يحي بن عمر » الذي أخرجه حمادي عرافة ، وبعد مغادرته لإدارة التلفزة الوطنية التحق بإدارة المسرح بوزارة الثقافة ، كما عمل لفترة طويلة في قسم البرمجة بتلفزيون الشارقة بالإمارات العربية المتحدة .
الراحل محمد عبد الكافي في عيون من عرفوه :
محمد رؤوف يعيش المدير الأسبق للإذاعة الوطنية :
من الجوانب المخفية في مسيرة الأستاذ محمد عبد الكافي انه كان مولعا بالمسرح خلال المرحلة الطالبية فقد نشط في مركزا لمسرح الجامعي إلى جانب كوكبة من المسرحيين الشبان أمثال محمد إدريس وعبد الرؤوف الباسطي ورؤوف بن عمر ، ومن هذا المنطلق عُين الفقيد سنوات قليلة بعد تأسيس التلفزة التونسية في ماي 1966 بالإنتاج الدرامي ، وسرعان ما تم تعيينه على رأس مصلحة الدراما بالتلفزة التونسية ، وكان إلى جانب الراحل محمد المغربي الذي يساعد الأستاذ حسن العكروت أول مدير للتلفزة أمد الله في أنفاسه ، وبهذا الاعتبار أسهم المرحوم محمد عبد الكافي بفضل جديته ومعرفته الواسعة بالمسرح وخصوصياته الفنية في إرساء دعائم الإنتاج الدرامي التلفزي وثرائه ويعرف عنه انه اعدّ دراسة قيمة تحت عنوان » خمسون سنة من الإنتاج الدرامي في التلفزة التونسية » وتعتبر الدراسة مرجعا للباحثين والمهتمين بشؤون المسرح إذ حاول فيها إحصاء الأعمال الدرامية التي أنتجتها التلفزة التونسية على مدى خمسة عقود ، وليس هذا فقط بل أن الصديق العزيز محمد عبد الكافي مارس فن الكتابة للدراما التلفزية ، إذ اشترك مع رفيق دربه فرج شوشان في تأليف مسلسل تاريخي حول شخصية « يحي ابن عمر »وقد توج ذلك المسلسل بجائزة مهرجان التمثيليات التلفزيونية الأول الذي نظمه اتحاد إذاعات الدول العربية بتونس سنة 1981 ، كما تم تعيينه مديرا للإذاعة الجهوية بالمنستير من سنة 1982 إلى سنة 1984 تاريخ تعيينه مدير للإذاعة الجهوية بصفاقس التي واصل عمله فيها إلى سنة 1992 تاريخ تعيينه مدير للتلفزة التونسية وخلال تحمله مسؤولية هاتين الإذاعتين ، سعى الأستاذ محمد عبد الكافي إلى تطوير العمل الإذاعي البرامجي والإخباري والإبداعي بوجه عام ، وهكذا فإن الفقيد يعتبر من خلال هذا الرصيد الثري من البذل والعطاء في الحقلين المسموع والمرئي وجها من الوجوه البارزة في المشهد الإعلامي الوطني واحد رواده الكبار .
حمادي عرافة : مخرج » الرباعية التلفزية » يحي بن عمر
عندما اقترح علي السيد محمد عبد الكافي وصديقه الأديب فرج شوشان إخراج عمل تلفزي حول شخصية الإمام الفقه يحي بن عمر، ترددت في البداية لأنه كان أول عمل في مجال الدراما التلفزية بالنسبة إلي كمخرج ، ولكني بعدما اطلعت على النص قررت خوض التجربة لاني أعجبت بالتناول الجيد للشخصية من الناحية الفقهية والتاريخية ومما يوجد فيها أيضا من خصال إنسانية ، ووجدت في النص مراوحة بين الماضي والحاضر ولا غرابة في ذلك بما أن الكاتبين متشبعين بالثقافة الأدبية والمسرحية وقد اخترت مجموعة من الممثلين اذكر منهم عبد المجيد الأكحل في دور البطولة ورشيد قارة وعبد اللطيف الحمروني في دورين مهمين ،( رحمهم الله جميعا) وقسمت العمل إلى أربع حلقات ، وقد تم التصوير بين مدينتي القيروان وسوسة باعتبار أن الإمام الفقيه يحي ابن عمر تلميذ العلامة القيرواني الإمام سحنون وقبره موجود بسوسة وقد نال ذلك العمل رضاء الجمهور، بعد أن بثته التلفزة التونسية في بداية الثمانينات ، كما نوه به النقاد وقد تحصل في البداية على جائزة أحسن عمل ، في مهرجان « التمثيليات التلفزيونية الأول » ثم تحصل بعد ذلك على سبع جوائز اذكر منها : جائزة « أفضل عمل » وجائزة « أفضل سيناريو » وجائزة « أحسن إخراج » وجائزة « أحسن ديكور » كان ذلك في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون وفي عدة مهرجانات عربية أخرى وبقيت اعتز بتلك التجربة الأولى التي جعلتني في ما بعد اشق طريقي بثبات في الأعمال الدرامية الأخرى التي أخرجتها لللفزة التونسية .
الحبيب الهدار : رئيس تحرير سابق بقسم الإخبار بإذاعة صفاقس
ما يحسب الفقيد الأستاذ محمد عبد الكافي انه وبعد توليه إدارة الإذاعة الجهوية بصفاقس بعد وفاة مديرها محمد قاسم المسدي في حادث مرور ، عمل فيها بجهد وإخلاص لتطوير والرقي بالعمل الإذاعي لبرامجي والإخباري والإبداعي ، وحرصه أيضا على أن تشجع الإذاعة الجهوية بصفاقس وتتجاوز محيطها الوطني إلى العربي وهو الهدف الذي بلغته الإذاعة ، فقد كانت لها العديد من المستمعين والمتابعين للبرامج الإذاعية من ليبيا والجزائر والمغرب وغيرهما من البلدان الأخرى وهو أمر يحسب له ، كما انه كان يشجع الكفاءات وخاصة الشابة ، واذكر أنني قمت بتغطية زيارة ميدانية للرئيس السابق قام بها في ولايات الجنوب ولما عدت إلى العمل استقبلني في مكتبه وصافحني بحرارة ونوه بالمجهود وبالحرفية التي قمت في العمل الإذاعي ، خاصة واني لم اقتصر على تقديم أخبار الزيارة لكل ولاية في الأخبار الرئيسية ، بل كنت أقدم كل جديد في المواجيز ، كما قمت بحوصلة نهائية لكل الزيارات وقد نال هذا العمل إعجابه وإعجاب جمهور المستمعين والزملاء ، وكان دافعا لي لمواصلة العمل بنفس الجهد والحماس ، كما يحسب للفقيد أيضا حرصه الدؤوب على تحديث المركز التلفزي بصفاقس ، مما جعله قبلة للعديد من المخرجين الذين يقدمون خصيصا من العاصمة لتصوير وتركيب أعمالهم ، واذكر بالخصوص المنجي الخروبي في منوعة « شباب90 » والمنصف الكاتب في تصوير وتركيب مسلسل « المتحدي » كما كان الراحل يلي اهتماما بالغا للإعمال الدرامية الإذاعية وقد كلف بها المؤلف جمال الدين خليف الذي أعطاها من جهده وخبرته الكثير.
فاطمة خنفير ممثلة …
عندما التحقت بإذاعة صفاقس في أخر الثمانينات كان عمري 22 سنة ، وما أتذكره هو أن السيد محمد عبد الكافي كان موجودا « بالأستوديو » وتابع إجراء التجربة الصوتية التي أجريت لي وهي من الثوابت في الميدان الإذاعي ، لأنها مفتاح الولوج إلى لأنها تعتمد بالأساس على جمال الصوت ، ومن هذا المنطلق قبلت وقد نوه بما قدمت وشجعني كثيرا ، وطلب مني الانكباب على العمل وتقديم الإضافة ودحر الغرور لأنه سبيل للفشل ، وقد ألحقت بقسم التمثيل الذي كان يترأسه السيد جمال الدين خليف ّ، وشاركت في العديد من الأعمال المسرحية ، فقد كانت مصلحة الدراما عبارة عن خلية نحل ، فإلى جانب المسرحية الأسبوعية التي تقدم في « مسرح الإذاعة » والتي كنا جلها من تأليف جمال الدين خليف وإخراج عامرالتونسي كانت جل البرامج تستعمل » المسامع التمثيلية » كما كان السيد محمد عبد الكافي حريصا على سلامة اللغة العربية خاصة في الأعمال الدرامية ، وقد كلف الأستاذ عبد المجيد الحاج قاسم بهذا الجانب ، وبالرغم من أني اعمل الآن في قسم » الكساء الإذاعي » بقيت مدينة للراحل الأستاذ محمد عبد الكافي لأنه شجعني وجعل الإذاعة تحتضن موهبتي وتضمن مستقبلي رحمه الله وجزاه كل خير .