البث الحي

الاخبار : أخبار ثقافية

محمد سعادة

محمد سعادة من أصغر عازف في الراشيدية إلى أشهر عازف على آلة الناي

لبوابة الإذاعة التونسية : عبد الستار النقاطي

مرت هذه السنة الذكرى الرابعة عشر لرحيل الموسيقار الكبير محمد سعادة ،  الذي كانت له مسيرة مهنية وإبداعية تواصلت لأكثر من نصف قرن ، وكانت تلك المسيرة حافلة بالعطاء والتنوع والإبداع عزفا وتلحينا وقيادة وتدريسا إلى جانب الإنتاج الإذاعي … وتخليدا لذكراه وحتى تتعرف عليه أكثرا الأجيال الجديدة من الشباب وخاصة من دارسي الموسيقى نسلط  في « بوابة الإذاعة التونسية » أضواء على محطات في مسيرة هذا الموسيقار الكبير الذي كان أصغر عازف  في فرقة الرشيدية ، عمل إلى جانب عمالقة الموسيقى ، على غرار خميس الترنان وصالح المهدي وعلي السريتي وعلي أبو نواس وإبراهيم صالح وغيرهم … وفي مقال نشرته مجلة  » الإذاعة والتلفزة  » في جانفي 2006 وكتبه الشاعر والكاتب الصحفي رضا الخويني عن الراحل قال :

ولد محمد سعادة يوم 22 جويلية 1937 في مدينة تونس العتيقة ، ونشا في عائلة محافظة لكنها محبة للفنون ، فقد درس والده محمد المختار في جامع الزيتونة المعمور ثم المدرسة الخلدونية ، وكان من عشاق الأدب والصحافة والمسرح وقد انظم في بداية حياته إلى « جمعية الشهامة العربية للمسرح » وأسس في أواخر الثلاثينات جريد « النسناس  » التي كانت هزلية  ثقافية في الظاهر، ولكنها كانت ذات بعد اجتماعي وسياسي ، متماشية مع ما اقتضته تلك المرحلة من نضال النخبة والشعب للقضاء على الاستعمار الفرنسي .

اصغر عازف في الرشيدية …

 وأضاف كاتب المقال :  تربّى محمد سعادة بين الاسطوانات و » الفونوغراف  » والعود وألتحق « بالكونسرفتوار » في سن الثالثة عشر وبعد حصوله على شهادتين في الموسيقى العربية والعزف ، ولمزيد تعميق دراسته الموسيقية اتجه إلى الرشيدية فنهل منها الكثير ونظرا لحذقه العزف على آلة الناي ، ضمه الأستاذ صالح المهدي  قائد الفرقة إلى الراشيدية ، فكان اصغر عازف فيها ولم يتجاوز عمره 15 سنة ، وقد عزف إلى جانب عمالقة الموسيقى الذين ذكرناهم في بداية المقال …

من عازف إلى معلم للموسيقى …

وفي التعليم الثانوي جمع بين الدروس الرسمية في المعهد العلوي و متابعة الدراسة العليا في  » الكونسرفتوار » على أيدي الأساتذة فرنسيين وايطاليين وتحصل على شهادة في التأليف الغربي ، وبعد الاستقلال سنة 1956 فتحت وزارة التربية القومية مناظرة لقبول أساتذة تونسيين في الموسيقى ، فكان من أول الناجحين  فيها  ، فعهد إليه وزملاءه تعويض الأساتذة الفرنسيين  الذين عادوا إلى بلادهم .

  وأضاف كاتب المقال : ولم يكتف محمد سعادة بما حصل عليه من تكوين، فسافر إلى باريس سنة 1961  فدرس في « كونسرفتوار باريس الوطني » التحليل والتأليف الموسيقي  كما درس في « معهد الدراسات التطبيقية العليا »  بباريس علم موسيقى الشعوب ، وسنة 1963 شارك في تربصات بمدينة البندقية بايطاليا في الموسيقى المتوسطية  وفي قيادة « الاوركسترالسمفوني « .

من عازف إلى قائد فرقة …

وخلال رحلته المتنوعة مع الموسيقى، توجه إلى قيادة الفرق الموسيقية ، فقاد في البداية « فرقة والجبل » ثم  » فرقة  المنار »  كما انتدبته الإذاعة التونسية سنة 1965 لقيادة الفرقة الموسيقية كما عهدت إليه تدوين المالوف مع الشيخ المصري فهمي عوض ،  كما أسس أيضا  « كورال الأطفال »  للإذاعة والتلفزة التونسية ، وبالرغم من نجاحه في مهمته ، إلا انه استقال منها مفضّلا التفرّغ للتأليف والبحث الموسيقي .

الحان و تتويجات …

وفي مجال التلحين وان اقتصر الموسيقار محمد سعادة على تلحين المعزوفات الموسيقية  والقصائد والموشحات فان له أيضا أعمالا نذكر منها بعض المقطوعات الأوبيرالية ، كما  لحن لزوجته سلمى عدة أغان نذكر منها   »نكتب أشعاري ليك » من كلمات عبد القادر العياشي  ، ومن أعماله التي توجت بجوائز عربية نذكر « اوبيرات ملحمة النصر » في مهرجان دمشق 1976 أغنية « كيف جيت » أحسن إنتاج في (مهرجان علي الرياحي) سنة 1981 وأغنية « أقبلت  » في (مسابقة الأغنية الوطنية سنة 1992 « ماذا يريد » (مهرجان الأغنية)سنة 1993 …وبعدها اشتغل  الموسيقار محمد سعادة بالبحث والكتابة فقدّم عدّة محاضرات ودراسات وبرامج إذاعية بثتها الإذاعة الوطنية  نذكر منها : « على جناح الوتر » و »مخبر الألحان  » و »موسيقى الشعوب »  كما أسس فرقة الفن العربي سنة 1986 وقدّم معها عروضا في تونس  وأوروبا والعالم العربي ويقول عنه النقاد بان أعماله تتسم بنفس غنائي تجديدي .

تدريس وبحوث ومحاضرات …

وبالرغم من مشاغله الكثيرة  التي ذكرناها ، فقد اعتنى أيضا بتقديم العديد من المحاضرات عن الموسيقى التونسية وموسيقى الشعوب في كل من اسبانيا سنة 1986 والعراق سنة 1987 وسوريا وألمانيا سنة 1989 واليابان وايطاليا سنة 1990 والولايات المتحدة الأمريكية سنة 1993…أما سنة 1995 فقد نزل ضيفا بارزا في ملتقى الفنون العربية والإسلامية الذي احتضنته جزيرة  » المرتينيك  » الفرنسية ، وشارك بالعزف على آلة الناي ، كما قام بتقديم محاضرة عن الموسيقى التقليدية التونسية .

تكريم وجوائز وأوسمة …

ونظرا لعمله المتواصل وبحوثه ومحاضراته في الشأن الموسيقي ، فقد تحصل على الجائزة التقديرية للآداب والفنون سنة 1999 ، كما تكفلت وزارة الثقافة بإصدار قرص ليزري لكل أعماله صدر سنة 2000 ، وعن تلك الاسطوانة التي حملت عنوان  » طبوع  » كنت أجريت له حوارا مطولا صدر في العدد (1141جويلية 2000 ) من « مجلة الإذاعة والتلفزة  وقد أكد لي فيه أن محتوى الاسطوانة كان مجموعة من الأغاني والمعزوفات والموشحات  وبخاصة معزوفة « سيدي بوسعيد » وهي في مقام الإصبعين استوحاها من الأجواء الصوفية لهذه المدينة الساحرة التي يوجد بها مقام لثلاثة أولياء صالحين هم (سيدي بوسعيد وسيدي الظريف وسيدي الشبعان) وأضاف أن هذه المدينة  المتفردة في المعمار والألوان ، مر بها العلامة والرحالة محي الدين ابن عربي وأقام بها لمدة وجيزة قبل تحوله إلى المشرق العربي وقد ذكرها في إحدى كتبه ، وقد اخترت لحنا خماسيا لتلك المعزوفة لم يسبقه إليه أي ملحن ، استوحاه من الإيقاع المجرد الذي يستعمله ( جماعة العيساوية) وأضاف  » أنا ممنون بالشكر والتقدير لوزارة الثقافة  التي نفذت ما عجزت عنه شركات الإنتاج الفني لان لها مقاييس ومعايير تجارية صرفة تتعامل بها ، فهي تفضل إصدار الأغاني التجارية ، ولا تعير اهتماما لمثل هذه النوعية من الموسيقى الراقية »… وأتذكر يوم أن أجريت له الحوار في صالون الإذاعة التونسية طلب مني عدم الإطالة لأنه سيسجل في  » أستوديو8″ أغنية جديدة من ألحانه وأداء « كورال المريخ » وهي بعنوان « صوت الأوطان » من تأليف الشاعر نورالدين صمود ، واختتم الحوار معي بأنه سوف يكرس بقية حياته للتلحين للأطفال لأنه يحب فيهم تلقائيتهم وبراءتهم وهم أيضا المستقبل .

تكريم وظهور لآخر مرة …

أصيب في شتاء سنة 2003  بزكام حاد ، دخل على إثره إلى المستشفى العسكري بتونس وقد تماثل بعد ذلك للشفاء ، وكان آخر ظهور له في سهرة الناي التي أقامها مركز الموسيقى العربية والمتوسطية  » النجمة الزهراء » ليلة النصف من شهر رمضان المعظم حيث احتفى به المركز في سهرة حملت اسم (سهرة الناي) وقد تم تكريمه مع أستاذه صالح المهدي وزميله الأستاذ عبد الحميد بلعلجية وثلاثتهم من رواد الناي في تونس  ، أما الأستاذ محمد سعادة  فيعتبر من امهر واشهر عازفي الناي لا في تونس فحسب بل تونس وفي العالم العربي … ومن هذا المنطلق لم يكن ذلك التكريم الوحيد ، بل  له عدة جوائز وأوسمة من جهات تونسية وعربية .

في أواخر سنة 2004 تعرض من جديد لزكام حاد ، ويوم الثلاثاء 11 جانفي 2005 وفاه الأجل المحتوم وقد دفن في مقبرة الجلاز، وبرحيله ترك الناي حزينا ، ولكنه ترك أيضا رصيدا هائلا من أعماله الموسيقية المتميزة .

بقية الأخبار

اتصل بنا

النشرات-الاخبارية

podcast widget youtube

تابعونا على الفايسبوك

spotify podcast widget

مشروع-اصلاح

moudawna

mithek

tun2

talab

maalouma