لبوابة الإذاعة التونسية : عبد الستار النقاطي
فقدت الإذاعة التونسية يوم الخميس 9 ماي 2019 المكي كربول ، وهو واحد من ابرز الأصوات المميزة في الإذاعة التي عشقها منذ الصغر ، وشاءت الصدف أن ينطلق من البرنامج الإذاعي الشهير الذي كانت تعده باقتدار السيدة علياء ببو ، والذي كان يتابعه الصغار والكبار أيضا …انطلاقته المهنية كانت من قسم الإخبار بالإذاعة الوطنية ، وقد تميز بصوته الجهوري وقراءته الجيدة للأخبار نطقا وإلقاء ولغة سليمة ، كما امتاز بتعدد مواهبه فقد أنتج البرامج ونشطها ، كما كان طوال مسيرته لا يرفض تقديم أي برنامج أو القيام بتعويض أي زميل أو القيام بأي محطة خارجية وحتى مع المنشطين المبتدئين …44 سنة قضاها المكي كربول في الإذاعة الوطنية قدم خلالها أكثر من( 50 برنامجا) آخرها « سهرة مع مكي كربول » التي كانت تبث سهرة كل ليلة احد … وحتى يتعرف قراء » بوابة الإذاعة التونسية » أكثر على هذا المذيع القدير نسلط الأضواء في هذه المساحة على جانب هام من مسيرته، من خلال الحوار الذي اجريته له في العدد 1236من » مجلة الإذاعة والتلفزة » بتاريخ 27 جويلية 2002 في ركن « هكذا كانت البداية » .
وعن بداياته قال : انطلاقتي كانت من برنامج « جنة الأطفال » للسيدة علياء ببو فقد انضممت إليه سنة 1969، بعد أن اقترحت ذلك على صديقي فتحي ، الذي أحال الطلب على السيدة علياء التي قبلت ذلك بصدر حب ، وأتذكر أني حملت معي هدية تمثلت في جمل مصنوع من القماش ، وقد استقبلتني بحرارة وضمتني إلى البرنامج ، وأصبحت من المشاركين فيه باستمرار .
من جنة الأطفال إلى قسم الأخبار
ويضيف مكي كربول : صادف أن قام ذات يوم الأستاذ صلاح الدين بن احميدة الرئيس المدير العام للإذاعة والتلفزة آنذاك ، بجولة قادته إلى » أستوديو9 » وسمعني اقرأ نصا في البرنامج ، وبعد مدة أجريت تجربة صوتية وألحقت بقسم الأخبار كصحفي وبعد ثلاثة أشهر أجريت لي تجربة صوتية ، ثم قرر المدير العام أن أتولى قراءة المواجيز ثم النشرات ، وقد رافقني في اليوم الأول الأستاذ الهادي بالخامسة ( رحمه الله) كشاهد على الاختبار الأول ، كان ذلك يوم 25 جويلية1975 ويبقى من اسعد أيام حياتي ، وقد كان بمثابة المنعرج في مسيرتي المهنية .
بداية صعبة …
وإجابة عن سؤال حول هل الطريق كانت مفروشة بالورد بما انه من طرف المدير العام أجاب : ( يظهرلك) لقد وجدت يا سيدي المعارضة وحتى الرفض من العديد من الزملاء وقد لاحظت عليهم علامات عدم الرضا ، نظرا لصغر سني من ناحية وقلة تجربتي من جهة أخرى …أما الطريف فان احد الزملاء اتصل بقسم الأخبار مستفسرا عن الصوت الجديد وقال لهم بالحرف الواحد : هل جاء هذا المذيع الذي استمعت إليه يقرا الموجز من إذاعة عربية في نطاق التبادل ؟ نظرا للطابع الذي اعتمدته في القراءة والذي يشبه كثير المذيعين العرب الكبار في إذاعة لندن …أما بمن تأثر قبل أن يصبح مذيعا قال : كنت استمع كثيرا إلى « إذاعة لندن » وخاصة إلى صوت المذيع القدير عيسى خليل الصباغ ، وذات يوم كنت أقلده ودخل الغرفة فجأة خالي محمد كربول وسمعني ، ولما رايته شعرت بخجل كبير ولكنه ابتسم وقال لي : أحسنت يا مكي صوتك جيد وصالح للإذاعة ، مع العلم بان خالي عمل مذيعا في إذاعة صوت كولونيا بألمانيا وقد كان حدسه في مكانه .
من هؤلاء تعلم …
بخصوص الأسماء التي عمل معها في قسم الأخبار وبماذا استفاد منها قال : كان لي الشرف أن عملت مع زملاء أفذاذ تعلمت منهم الكثير وخاصة احترام قواعد اللغة العربية والفواصل والنقاط ومخارج الحروف ، مع الأخذ بعين الاعتبار متابعة المستمعين لنشرات الأخبار ، ومن هؤلاء اذكر : محمد قاسم المسدي الذي عملت (معه ومع ابنه مفدي) في القسم نفسه وعبد العزيز الرياحي وحامد الدبابي وصالح شبيل واحمد العموري وعبد المجيد الشعار ومحمد الحبيب حريز ونورالدين المازني وبلحسن بن عرفة وغيرهم …
من الأخبار إلى إنتاج البرامج …
وإجابة عن سؤال حول عدد البرامج التي قدمها قال : أستطيع القول أنني بعد تجربة ناجحة في قسم الأخبار خضت غمار التنشيط الإذاعي فقد قدمت البرامج المسجلة :، كما قدمت البرامج المباشرة على غرار « يوم سعيد « و »فجر حتى مطلع الفجر » وعملت جنب إلى جنب مع الثلاثي صالح جغام ونجيب الخطاب والبشير رجب وصالح بيزيد ، كما عملت مع الجيل الذي تلاهم على غرار نبيل بن زكري ووليد التليلي وحاتم بن عمارة وبية الزردي وحليمة الهمامي وهالة الركبي ووداد محمد وكلثوم السعيدي وغيرهم ، كما أني كنت لا ارفض أي عمل حتى المحطات الخارجية التي أمنتها مع الجميع ودون استثناء .
هؤلاء اكتشفتهم …
أما المذيعين والمنشطين الذين اكتشفهم طوال مسيرته الإذاعية قال :المنشط عفيف الفريقي كان أول من تكلم معي في ميكروفون الإذاعة في برنامج » ندوة المستمعين » وبعدها أصبح منشطا إذاعيا وتلفزيا مشهورا ، وكلما التقي به يقول لي : ( بديت معاك يا مكي ) …شفيقة الساحلي بدأت معي أيضا وتقول للزملاء إنها تعلمت مني الكثير …نجيبة بوعبان بدأت معي في برنامج » ندوة المستمعين « ولكنها أنقطعت وخيرت العمل الإداري …وأنت يا عبد الستار أنسيت انك بدأت معي كمنسق في برنامج ( ظلال الأصيل) ثم قدمت برنامج « ترانيم السحر » مباشرة من قرية صاحب الجبل ولمدة ثلاث ساعات …
نجاح في الإذاعة وفشل في الزواج …
وإجابة عن سؤال حول نجاحه في الإذاعة وفشله في الحياة الزوجية قال : نعم هذا صحيح لقد نجحت في الإذاعة وفي كل البرامج التي قدمتها ، ولكني فشلت في حياتي الزوجية بعد أن طلقت ثلاث مرات ، والسبب أن كل زوجة أصارحها باني اعمل في الإذاعة وكل وقتي مسخر لها ، فتقبل قبل الزواج وتنقلب علي بعد ذلك ، ومن هذا المنطلق قررت أن تكون ( زوجتي الأولى والأخيرة هي الإذاعة ) …وبما أني من مواليد برج الحوت وهو عندما يخرج من الماء يموت …
وهو ما حدث بالفعل فقد كانت بدايته مع الإذاعة ونهايته فيها أيضا ، بما انه مازال يتعاون معها رغم بلوغه سن التقاعد الإداري … رحم الله مكي كربول رحمة واسعة وإنا لله وإنا إليه راجعون .