لبوابة الإذاعة التونسية : عبد الستار النقاطي
حسب العادات والتقاليد التونسية يكون يوم الأحد 22 ديسمبر 2019 (موكب فرق) الراحل جمال الدين الكرماوي ، فقد فقدت الساحة الإعلامية (ومؤسستي الإذاعة والتلفزة التونسيتين )على وجه الخصوص ، يوم الأربعاء 18 ديسمبر 2019 الصحفي الموهوب جمال الدين كرماوي عن سن 63 سنة ، وقد ترأس الراحل »مجلة الإذاعة والتلفزة » لمدة عشر سنوات ويعتبر واحد من ابرز الأقلام في الصحافة المكتوبة التي له معها رحلة طويلة ومتنوعة بدأها « بجريدة البيان » ثم مر بسرعة ليكون رئيس تحرير وعمره 23 سنة وكان ذلك في جريدة » الإعلان » سنة 1983 ، واختتمها مع « مجلة الإذاعة والتلفزة » التي عرفت هي الأخرى في عهده نقلة نوعية على مستوى الشكل فصدرت في عدد أنيق وعلى مستوى المضمون « باركان جديدة قارة » كما منح الفرصة لأقلام جديدة مثل محمد بوغلاب وعبد اللطيف قروري وبسمة بوزكري وسوسن الشاهد وحياة الرضواني وسلوى الماجري وكريم اللطيفي عبد المجيد دقنيش وعروسية الرقيقي وهندة الغريبي وكاتب هذا المقال غيرهم…كما أن تلك المجلة الوثيقة كانت بمثابة مرآة عاكسة لما تنتجه « مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية » من انتاجات متنوعة ونافذة كبيرة مفتوحة على ما تنتجه الساحة الإعلامية والثقافية من إبداعات في شتى الفنون ، وقد توقفت هي الأخرى عن الصدور في 31 ديسمبر 20107 بعد الفصل بين المؤسستين .
وقد عرف الراحل أيضا بأسلوبه الذكي في الكتابة ( بالعربية والفرنسية ) كما تميز بجرأة في طرح العديد من القضايا خاصة في « جريدة الإعلان » وقد تسبب له ذلك في العديد من المشاكل ، اذ وجد نفسه بسبب تلك المقالات في مكتب حاكم التحقيق ، أما الإضافة التي حققها في « جريدة الإعلان » كرئيس تحرير فقد جعلها تصدر في نسختين واحدة مزدوجة (بالعربية والفرنسية) وتصدر يوم الثلاثاء والثانية بالعربية وتصدر يوم والجمعة ، وقد تعامل في » القسم الفرنسي » مع أقلام لا يشق لها غبار في لغة « موليار » واذكر منهم الأساتذة فتحي الهويدي ورضا النجار وصلاح الدين معاوي وداود حمادة وغيرهم …كما تميزت الجريدة بركن » الو الإعلان » الذي كان يتتفنن في كتابته جمال كرماوي بأسلوب ذكي يشد القارئ وقد صدرت تلك المقالات الجريئة في كتاب يحمل عنوان الركن نفسه .
وللوفاء والذكرى ننشر هذا المقال في « بوابة الإذاعة التونسية « حتى يتعرف القراء أكثر على هذا الصحفي الموهوب .
عن بدايته يقول في الحوار الذي نشر على أعمدة « جريدة أضواء » بتاريخ 28 أوت 1999 : أتذكر بدايتي جيدا فقد كانت في جريدة » البيان » عندما كان رئيس تحريرها الأستاذ صلاح الدين العامري ، كما كنت في الوقت نفسه أمارس رياضة كرة القدم في الملعب التونسي ، وبعد ذلك تحولت إلى « جريدة الإعلان » وتحصلت على منصب رئيس التحرير وعمري 23 سنة …
وإجابة عن سؤال حول اختياره لمهنة الصحافة دون سواها قال : منذ الصغر كنت مغرما بالقصة والشعر، وقد راسلت العديد من الصحف والمجلات التي ونشرت بعض محاولاتي ، ثم درست الصحافة بعد حصولي على شهادة الباكالوريا .
أما بخصوص عدم توفيقه بين الرياضة والصحافة قال : لو واصلت اللعب في رياضة كرة القدم لكنت متألقا تماما مثل الصحافة واعترف أني كنت غير متأقلم مع أجواء الكرة وكنت دائما منزويا قبل التمارين أو بعدها ، إما لإعداد دروسي أو لمطالعة كتاب أو قصة ، وقد سبب لي ذلك العديد من المشاكل ، كما اتهمت بالغرور والنرجسية ، ومن هذا المنطلق كانت جاذبية « صاحبة الجلالة » أقوى فقد انصعت لها وتركت الرياضة .
وعن ذكرياته في فريق الملعب التونسي قال: جل أوقاتي اقضيها إما مع محسن الجندوبي او مع إبراهيم الزيتوني الذي أصبح طبيبا وللأمانة أقول إني اكتسبت ثقافة طبية هامة من الصديق الحكيم إبراهيم الزيتوني .
وردا عن سؤال حول تجربته المهنية وما سببت له الجرأة من خلال المقالات التي كتبها وهل ندم عن اختياره لمهنة الصحافة قال : أنا مقتنع بان المقال الذي لا يثير ليس بمقال … لان المقال يجب أن يضيف …أن يحرك …أن يخلق ردود فعل وقد حدث وكتبت مثل هذه المقالات وقد سبب لي العديد كم المشاكل منها أني وجدت نفسي كم من مرة في مكتب حاكم التحقيق …وأضاف : بالرغم من المشاكل التي ذكرتها لم اندم أني اخترت مهنة الصحافة التي ارتبطت بها ارتباطا عضويا هذا إلى جانب أني لا اعرف إلا الكتابة ولا أستطيع أن افعل أي شيء آخر غيرها ومن اختار مهنة الصحافة عليه أن يكون على استعداد للقيام بعديد التضحيات ، كما أن الصحفي الذي يكتب دون أن تكون له خلفية ثقافية ومعرفية لا يستطيع أن يعمر طويلا في هذا القطاع ، ويكون له سببا في عدة كوارث على نفس على الآخرين .
أما عن الشخصيات التي حاورها وعن السبق الصحفي الذي قام به قال : أهم شخصية حاورتها كان الرئيس الجزائري محمد بوضياف الذي اغتيل بعد نشر الحوار وهو آخر حوار صحفي له ، كما حاورت القيادي الفلسطيني صلاح خلف » أبو اياد » قبل وفاته في تونس …أما السبق الصحفي الذي أنجزته فكان التحقيق الذي نشرته لي « جريدة الإعلان » بعد أيام قليلة من التغيير الذي تولى بموجبه بن علي الحكم في 7 نوفمبر 1987 وقد تضمن ذلك التحقيق عديد الصور التي نشرت لأول مرة وكشفت جانبا هاما من الحياة الشخصية لثاني رئيس دولة في تونس ولكل أفراد عائلته.