استأثر مضمون تقرير محكمة المحاسبات الأخير، حول تمويل الانتخابات التشريعية والرئاسية السابقة، ومختلف الاتهامات الموجهة لعدد من الأحزاب بالحصول على تمويل أجنبي وارتكاب جرائم انتخابية، بالنصيب الأكبر من تدخلات النواب لدى نقاشهم عشية اليوم السبت لميزانية المحكمة لسنة 1202.
وتساءل النواب عن مشروعية إصدار التقرير وتوجيه اتهامات لسياسيين هم اليوم نواب في البرلمان، قبل صدور الحكم النهائي والبات من طرف القضاء العدلي في هذا الشأن، مؤكدين من جهة أخرى ضرورة دعم محكمة المحاسبات حتى تكون هيكلا قضائيا يصدر أحكاما مثل بقية الهياكل القضائية، وألا يقتصر دورها على إصدار تقارير ترفع إلى الرفوف بعد نشرها ولا يتم استغلالها بالصيغ المثلى.
وقال النائب الناجي الجمل (كتلة النهضة)، « إن هناك معادلة غير مفهومة بخصوص محكمة المحاسبات، حيث أنها تصدر تقارير تظهر أن البلاد نخرها الفساد في كل المجالات، لكنها في المقابل لا تصدر أحكاما ولا تحاسب الأطراف التي تم اتهامها بالفساد رغم تمتعها بكل الصلاحيات القضائية « ، ملاحظا أن مؤسسات الدولة لا تستفيد بهذه التقارير في مكافحة الفساد في ما يخص التصرف في المال العام.
كما استفسر عن جدوى صدور التقرير الذي يكشف الجرائم الانتخابية، والحال أن آجال التقاضي في الاطوار المختلفة يمكن أن تتواصل لسنوات، بحيث يستكمل النائب المتهم دورته النيابية والمحكمة لا تبت في الحكم المتعلق به، مستفسرا عن سبب وجود هذا الخلل إن كان في القانون الأساسي للمحكمة أو في القانون الانتخابي.
وتطرق النائب علي بن عون (الكتلة الديمقراطية) إلى ما اعتبره « تشتيتا للهياكل القضائية على مستوى الإشراف »، داعيا إلى توحيد الغطاء القانوني والتشريعي لكل المحاكم لتسهيل التواصل بينها.
واعتبر أن محكمة المحاسبات مكبلة اليدين، بسبب ما يشوب القضاء العدلي من بطء في الفصل في القضايا ومن تسييس « وهو ما يحبط محكمة المحاسبات التي تصل الى نتائج يمكن ان تساهم في تنقية المشهد السياسي العام في البلاد، ولكن دون خطوات فعلية لاستغلال مضمون تقاريرها « ، لافتا إلى أن إحالة الجرائم الانتخابية على القضاء العدلي فيه حيف وتقصير في حق محكمة المحاسبات .
وتساءل عدنان الحاجي (مستقل) عما تغير بعد تحويل دائرة المحاسبات إلى محكمة المحاسبات، معتبرا أنه إذا ما صدق ما ورد في التقرير من جرائم انتخابية فإن كل ما يحصل في هذه الدورة البرلمانية باطل ». وقال « إن هناك الكثير من الشبهات في المحكمة خاصة فيما تم ترويجه حول الهبة القطرية « ، متسائلا « من يحاسبكم وما هو ردكم حول هذه الاتهامات ».
من جهته، اعتبر النائب أسامة الصغير (كتة النهضة)، أنه في ظل انعدام الثقة في الطبقة السياسية بما تشمله من هيئات دستورية وجزء كبير من الإدارة، فإن محكمة المحاسبات تحظى في المقابل بالثقة لدى التونسيين، معربا عن تخوفه من أن تبقى التقارير الصادرة عن هذه المحكمة مصدرا ل « فرقعات إعلامية » تفقد تأثيرها بعد سنوات عندما لا يرى التونسيون أي أثر فعلي لها.
وقال النائب جوهر المغيربي (قلب تونس)، موجها حديثه لرئيس محكمة المحاسبات « لا ينبغي أن تغتر بخطابات الدعم والمساندة لأنها في الواقع رسائل لتأجيج الأوضاع من قبل بعض الأطراف التي تسعى الى تحقيق أحلام شخصية »، معتبرا أن عمل محكمة المحاسبات يمكن أن يسهل عمل لجنة مكافحة الفساد في مجلس نواب الشعب حتى يكون عملها أكثر نجاعة.
ولفتت ليلى الحداد (الكتلة الديمقرايطة)، إلى أن عمل دائرة المحاسبات كان دوما في إطار الشفافية حتى قبل الثورة، غير أنها لم تكن تنشر تقاريرها، مشيرة إلى أن محكمة المحاسبات اليوم تتعرض إلى ضغوط كبيرة بسبب كشفها للحقيقة.
واعتبر أسامة الخليفي (قلب تونس)، أن ضرب محكمة المحاسبات وإقحامها في الصراعات السياسية هو شكل من أشكال تفكك الدولة، منتقدا « الأطراف التي نصبت المحاكم الشعبية وأصبحت تصدر الأحكام جزافا على خلفية تقرير محكمة المحاسبات ».