أجري هذا الحوار مع فقيدة الاذاعة التونسية الاعلامية حذام عيساوي بمناسبة احتفال اذاعة تونس الثقافية بعيد ميلاها السابع وكانت الفقيدة انذاك مديرة هذه المحطة الاذاعية ونشر بمجلة الاذاعة في ماي 2013 العدد 49. وكلمسة وفاء وتخليدا لذكراها نعيد نشر الحوار كاملا:
« تطفئ إذاعة تونس الثقافية في شهر ماي شمعتها السابعة. وبهذه المناسبة التقينا السيدة حذامي العيساوي مديرة الإذاعة لمحاورتها حول واقع هذه الإذاعة الفتية وآفاقها .
سبع سنوات تمر اليوم على ميلاد إذاعة تونس الثقافية. ماذا تحقق وما هو المنشود الذي تطمحين له على رأس هذه الإذاعة؟
الأكيد أن ما تحقق إلى حد الآن هام. فالتأسيس ليس بالأمر الهين ومن ساهموا في التأسيس تركوا بصماتهم التي هي ثمرة جهود كبيرة. فالجميع يعلم أن بعث إذاعة متخصصة تتعاطى مع الثقافة وتطمح إلى إرضاء النخبة المثقفة وكذلك إرضاء بقية المستمعين من خلال تقديم مادة غنية دسمة ومهضومة في الوقت نفسه تشبع رغبتهم في المعرفة. هذا كله رهان صعب نحن بصدد السعي لرفعه. اليوم الإذاعة الثقافية في ربيعها السابع تكبر وتنمو ويشتد عودها. فمن طور الولادة إلى طور الطفولة ونحن نصطحبها اليوم في بداية طور جديد تتفتح فيه براعم شبابها الأول نعم الأول فمازلنا نشد لها عودها ونحاول أن نقوي الجذوع فيها ونحيطها بالكثير من المتابعة والرعاية والعناية… نحن الأسرة الموسعة للإذاعة من منشطين وصحفيين وإدارة ومنتجين وكذلك المستمعين وخاصة مثقفينا الذين أقول دائما إنهم نجوم هذا البلد الذين ينيرون لياليها كلما اشتد الظلام وهم البوصلة والذاكرة والقدوة الرشيدة.
يرى البعض أن الثورة لن تكتمل دون ثورة ثقافية. فإلى أي حد يمكن لإذاعة تونس الثقافية أن تساهم من موقعها في هذه الثورة الثقافية؟
الثقافة في رأيي هي تأسيس للثورة… فهي التي تقود بأفكارها وأطروحاتها ومضامينها نحو الثورة بعدما تكون قد أسست لها عن طريق تكوين الفاعلين فيها وتربيتهم على جملة قيمها. ونحن انطلاقا من هذه القناعة نسعى فعلا في إذاعتنا إلى دعم هذه الثورة من خلال المساهمة في بناء الصورة المثلى للإنسان الواعي الفاعل المؤمن بقدرته على تحدي المستحيل بفضل ذكائه ومواهبه وقدرته الخلاقة المبدعة. فالثورة هي أن نقوض واقعا خربا عفنا لا نرضاه لنبني عالما جديدا وفق مبادئ وقيم وقوانين نتفق جميعا على أنها الأفضل ليومنا الحاضر وغدنا القادم. فالتقويض سهل ولكن البناء هو الصعب إذا لم يكن الفاعل واعيا وعارفا بإمكاناته وقدراته على مواجهة التحديات الماثلة وخاصة حسن التصرف في مواردها والتدبر فيها.
كيف وجدت إذاعة تونس الثقافية من الداخل؟
وكيف تتصورين أن تكون حالة إذاعة يتفاعل أبناؤها من إداريين وتقنيين ومنشطين مع صفوة المجتمع من اكاديميين ومفكرين وأدباء وشعراء ومبدعين في مختلف المجالات. أناس مع علو قاماتهم في دنيا العلم والمعرفة وشموخ هاماتهم إلا أن التواضع سمتهم وكرم الأخلاق شيمتهم. ومجرد الالتقاء بالواحد منهم والجلوس إليه متعة ومؤانسة فما بالك إذا ما أتيحت لك فرصة الإبحار معه على أمواج الإذاعة نحو مجاهل جزر المعارف بمشاربها المتعددة عندها تتحقق لديك متعتا الصحبة الطيبة والاستزادة من العلم والمعرفة.
إذا على هذه الحال وجدت إذاعة تونس الثقافية شبابا متحمسا راغبا في تحقيق الإضافة إليه والى مستمعيه يعمل بجد وجهد لتحقيق جميع الأهداف والانتظارات.
كيف يبدو لك المشهد الإعلامي بعد مرور سنتين على الثورة؟
المشهد الإعلامي خليط متعدد ومتنوع من الفسيفساء كثيرة الألوان والأحجام والصور والشخوص والتعبير وهذا أمر طبيعي وايجابي. فالأمر يتعلق بثورة بما يعنيه ذلك من هدم وحفر وكر وفر وبناء وتقويض وهذا كله يعيشه الإعلام يتأثر به ويسعى للتأثير فيه. ونحن في مرحلة حراك دائم والحراك تصحبه الفوضى والغبار ولكن هذا ظرفي ولن يتواصل كثيرا. وللإعلام دور كبير في تكريس استقرار الأوضاع وسيقوم بدوره هذا حالما يجد توازنه ويحققه.
لاحظنا في الفترة الأخيرة أن الإذاعة الثقافية حولت وجهتها إلى السياسة فيما يشتكي المثقفون والمبدعون من تغييبهم من منابر الحوار، ألم يكن حريا بكم مزيد فتح فضاءاتكم للمثقفين لا لرجال السياسة؟
فعلا تأثرت إذاعة تونس الثقافية بموجة التسييس التي طالت الجميع من الكبار والصغار في البيوت وفي الأسواق وفي الشوارع وفي كل مكان تقصده ولئن اندفعت إذاعتنا في بداية الثورة في هذا المسار فذلك وعيا منها بأهمية المساهمة في بناء الوعي العام بأهمية المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد والتحسيس بضرورة الانخراط في عملية البناء الديمقراطي والمؤسساتي والاقتصادي. ونحن اليوم مازلنا ماضين على هذا الدرب ولكن مع احترام خصوصية إذاعتنا وتخصصها الثقافي فالسياسة ولئن كانت من المجالات الحيوية التي تتعاطى معها إذاعتنا إلا أنها لا يجب أن تخنق بقية المجالات التي لا تقل في أهدافها ومراميها النبيلة في النهاية عن أهمية الشأن السياسي. وما نؤكده في هذا السياق هو تطويع برامجنا لخدمة هدف وطني نبيل هو المساهمة في نحت صورة المواطن المتعلم العامل المتمدن المثقف الواعي بمتطلبات غده المتفتح للحوار والتسامح. وبخصوص ما تقولين حول تشكي المثقفين من تغييبهم عن منابر الحوار فقد بلغني حالما باشرت- قبل أشهر- العمل في إذاعة تونس الثقافية شيئا من هذا التشكي وسعيت منذ ذلك الوقت إلي إرجاع الأمور إلى نصابها… خاصة أن السياسين يحتلون كل المنابر في كل فضاءات الحوار الإعلامي.
المشهد الإذاعي فيه تنافس كبير، ما هو موقعكم بين الإذاعات؟ ما الذي ترونه نقاط قوة في إذاعة تونس الثقافية؟
نحن إذاعة تتنفس الهواء العليل… والتنافس المحموم ليس من شيمنا. موقعنا الصغير بين الإذاعات احتللناه بفضل جهود المنشطين والصحفيين تحت إشراف أساتذة كبار في الإدارة والتسيير وقد حافظنا على موقعنا ونحن بصدد دعمه وتطويره وتوسيعه لأننا لم نسقط في فخ التنافس المحموم. وهذا هو موطن قوتنا… نؤمن بإمكانياتنا ونسعى إلى تطويرها كل يوم « وغدا سيكون يوما آخر » هذا أكيد لأن شباب المنشطين اليوم سيكونون غدا من كتاب ومثقفي ومفكري هذا البلد ألا يقول المثل (من جاور العطار نال طيبه).
هل حققتم سبقا ما منذ إدارتكم للإذاعة؟
قوة إذاعتنا في الاستضافات وإدارة الحوارات وحسن اختيار المواضيع وكذلك في عمق الطرح والتناول. نحن لا نسعى وراء السبق خاصة وان المعلومة متاحة للجميع اليوم ولكننا نفتخر بإنتاج برامج وتقديم ملفات على درجة كبيرة من الجودة من حيث إدارة الحوار ودقة الطرح وحبكة التناول. برامج يشرفنا فعلا بثها بل إعادة بثها مرارا وتكرار.
في ما ينشر من نسب استماع للإذاعات، نجد إذاعة تونس الثقافية في المراتب الأخيرة، هل انتم واعون بهذا التحدي؟
هذا صحيح للأسف ولكن نحن نناضل منذ فترة لتجاوز هذا العائق ورفع التحدي كما تقولين فالمشكل يكمن هنا في أن الإذاعة كانت في السابق تعمل على تقديم منتوج إذاعي دسم تغلب فيه الحوارات بين مختصين في مجالات ثقافية معينة طوال ساعة أو ساعتين دون مراوحات طربية ودون مراعاة طاقة المستمع على الاستيعاب. وهذا ما يدفع المستمعين إلى الهجرة إلى برامج أخرى يجدون فيها نوعا من الترفيه والتنفيس عن الذات. البرامج المقدمة في إذاعتنا هي في الأساس من وضع أساتذة أكاديميين مختصين راعوا خلال تصورهم لشبكات البرامج المحتوى المعرفي والدسامة الفكرية والاختصاص ولكنهم لم يفكروا للأسف في المستمع… وهذه كانت الهنة التي نسعى الآن لتلافيها فالمادة الثقافية يجب أن يستهلكها المواطن العادي بدرجة أولى لأننا إذا ما انغلقنا على أنفسنا لنحاور ذواتنا ونتبادل فيما بيننا إبداعاتنا بعيدا عن المواطن العادي حكمنا على أنفسنا بالموت معلقين في أبراج عاجية.
قبل 14 جانفي لم يكن متاحا للمثقفين المحسوبين على المعارضة عموما أن يتعاونوا مع الإذاعة الثقافية، ماذا تغير بعد 14 جانفي؟
المثقف كما يعرّفه احد الكتاب المغاربة هو منار الضالين في البحار المظلمة وهو مرآة تعكس هموم عصره ومشاغله وانتظاراته ونحن بدورنا نراه بهذه العين فلا علاقة لنا بالانتماءات السياسية لهذا أو ذاك. المهم بالنسبة إلينا هو ما يعمله هذا المثقف من فكر وآراء وما يطرحه علينا وعلى مستمعينا من معارف تفيدنا في حاضرنا ومستقبلنا ولا يفوتني هنا وقد أثرت هذه النقطة بالذات التأكيد على أن الإدارة لا تتدخل حتى بمجرد الرأي أو الاقتراح في الخط التحريري للإذاعة سواء في الأخبار أو في البرامج التنشيطية أو في بقية البرامج المسجلة. لم تتدخل الإدارة بتاتا وهذا على مسؤوليتي سواء في اختيار المواضيع أو الضيوف المدعوين، حيث تعلم الإدارة ببرمجة حضورهم في أخر لحظة. أقول هذا وأسحبه على فترة عملي في قسم الأخبار بالإذاعة الوطنية الذي كنت اشغل فيه خطة رئيس تحرير مساعد ثم رئيس تحرير حيث لم أسجل بشهادة جميع الزملاء في القسم آنذاك أي تدخل من الإدارة أو الإدارة العامة في الخط التحريري أو غيره من عمل الصحافيين.
من هو جمهور إذاعة تونس الثقافية؟
نعم أصبح لنا اليوم جمهورا متنوعا من الشباب والكهول وحتى الأطفال بفضل مجموعة من البرامج الجديدة تجمع بين التثقيف والتربية والترغيب في المطالعة وكذلك بفضل المؤنسات الطربية فقد حافظنا على دسامة البرامج ولكن مع إدراج المراوحات الغنائية الراقية كذلك نسعى إلى جلب المستمع من خلال تفاعله معنا وتشريكه في الحوارات.
كيف تفسرين اعتماد اللهجة الدارجة وأحيانا عبارات فرنسية في برامج إذاعة تونس الثقافية؟
هذا أمر من النادر حدوثه ونسمح به أحيانا في حصص التنشيط ثم لا تنسي يا سيدتي أن الإذاعة ليست معزولة عن واقعها تماما ولا يجب لها ذلك. وربما العودة إلى الواقع أحيانا أثناء التنشيط للحديث مع المواطنين المتفاعلين معنا لا يضر كثيرا.
ما هي الصعوبات التي تواجهها الإذاعة؟
الصعوبات؟ لا أحب الحديث عنها فهذا خبزنا اليومي. وما أهمية أن تعمل إن لم تواجه الصعوبات وترفع تحدياتها فتفخر بنفسك أمام نفسك وتسعد؟ ومن لا يحب صعود الجبال يعيش ابد الدهر بين الحفر!
ما هي الإضافة التي تمنحها إمرأة على رأس الإذاعة؟
هذا السؤال اترك الإجابة عليه لزملائي المنشطين والصحفيين والمنتجين ربما شعروا بهذه الإضافة بعد… أقول ربما… وربما ما تزال ثمار الأربعة أشهر الماضية من العمل لم تثمر ولمّا تؤت أكلها . »
حاورتها: هندة الرحموني