لبوابة الإذاعة التونسية : عبد الستار النقاطي
فقدت الإذاعة التونسية اليوم الثلاثاء 29 جوان 2021 الفنانة القديرة دلندة عبدو عن عمر يناهز 92 سنة بعد صراع طويل مع المرض …وقد التحقت الفقيدة بالميدان المسرحي في سن مبكرة وقد وجدت التشجيع من الممثل المسرحي الكبير البشير الرحال . وقد كان بروزها وشهرتها من خلال المسرحية الإذاعية » في » دار عمي سي علالة » تأليف وبطولة الإذاعي القدير عبد العزيز العروي ، أما الجمهور الواسع فقد تعرف عليها من خلال الشاشة الصغيرة في بداية سبعينات القرن الماضي ، حيث اشتهرت بدور العجوز في عدة أعمال تلفزية على غرار » أمي تراكي ناس ملاح » وحكايات عبد العزيز العروي مثل » عصفور وجريدة » و » نعيمة ونعيم » وكذلك السلسلة الهزلية التوعوية الشهيرة » محل شاهد » مع الممثل رمضان شطا وهي من تأليف د. الطاهر الخميري ، وكذلك دورها الجيد في مسرحية » الطرش حكمة » بطولة المختار حشيشية …أما في الأعمال الدرامية التلفزية فقد تقمصت عديد الأدوار في مسلسلات على غرار « الدوار » تأليف حسين المحنوش وإخراج عبد القادر الجربي » وعنبر الليل » إخراج الحبيب المسلماني وكذلك « سلسلة » شوفلي حل » إخراج صلاح الدين الصيد …وسلسلة » عم فرج » مع إكرام عزوز » … أما آخر أعمالها المسرحية فكانت في مسرحية » النملة الصرصار » الموجهة للأطفال مع عزيزة بولبيار » وحتى يتعرف عليها أكثر شباب اليوم نسلط في « بوابة الإذاعة التونسية » الأضواء على جوانب هامة من مسيرتها الفنية .
ولدت دلندة عبدو أو » ددو » كما يحلو لأصدقائها مناداتها يوم 2 نوفمبر1928 واسمها الحقيقي (خيرة الغربي) كما يحلو لامها مناداتها « بفضيلة » …أما الاسم الفني فقد اختاره لها المسرحي البشير الرحال والد المطربة علية ، وذلك بعد أن التحقت بفرقة » الاتحاد المسرحي » التي كان يديرها وقد اختار ذلك الاسم ، نظرا لان فضيلة خيتمي سبقت » فضيلة الغربي » للفرقة ، وبما أن « اسمين في الدوار يحيرو » مثلما يقول المثل الشعبي ، فقد اقترح عليها تغيير اسمها ليصبح (دلندة واختصر اسم والدها عبد القادر في عبدو) فأمسى اسمها الفني دلندة عبدو وقد اشتهرت به طوال مسيرتها الفنية .
في دار عمي » سي علالة » …
بعد أربع سنوات قضتها مع فرقة الاتحاد المسرحي ، اقترح عليها الإذاعي الكبير عبد العزيز العروي وبطلب من البشير الرحال المشاركة في مسرحيته الإذاعية » في دار عمي سي علالة » وقد تقمص هو دور « سي علالة » وتقمصت هي دور » أمك فونة » حماته (أم زوجته) وتقمصت دور الزوجة الممثلة جميلة العرابي ، وقام بدور الابن توفيق العبدلي ولعبت دور الابنة المذيعة نجوى إكرام وتقمص الممثل محمد الهادي دور الزوج ، أما الجارة فقامت بدورها الزهرة فائزة ، وقد تم تنفيذ هذا المسلسل سنة 1951 عندما كانت الإذاعة بمقرها القديم بساحة العملة …
وفي حديث أجري في « مجلة الإذاعة » ذكرت دلندة عبدو انه لم تكن هناك فرقة قارة تنفذ الأعمال المسرحية مثلما وجدت ذلك في فرقة « الاتحاد المسرحي » بل كان بعض الصحافيين والمذيعين هم من يتقمصون الأدوار أمثال : الهادي بن خامسة وزوجته مليكة بن خامسة ونجوى إكرام وبعض الممثلين على غرار توفيق العبدلي ومنيرة عطية ، ومما يجب التنويه به هو أجواء هو أن هذا المسلسل وجد صدى ممتازا داخل تونس وخارجها ، وقد كان بعض زوار تونس من البلدان المغاربية يأتوننا إلي الإذاعة والكلام لدلندة عبدو لأخذ صور تذكارية معي ومع سي عبد العزيز العروي ، وقد ساهمت أجواء المحبة والتالف التي كانت سائدة في نجاح ذلك المسلسل فقد كنا بمثابة العائلة الواحدة مازلت الإذاعة الوطنية تبثه من حين لأخر خاصة في شهر رمضان المعظم.
الصبية العجوز…
أما عن دور العجوز الذي اشتهرت به والذي رافقها طوال مسيرتها الفنية سواء في أعمالها الإذاعية أو التلفزية قالت : المنجي بن يعيش هو من كان وراء إسنادي هذا الدور ، فبما أن الممثلات لم يكن متوفرات بالعدد المطلوب في ذلك الوقت كان هو من يقوم « بدور العجوز » و لابد من الاعتراف بأنه كان يتقنه أيضا ، وذات مرة اقترح علي تعويضه في دور العجوز فنجحت التجربة ، بالرغم من أن عمري لم يكن يتجاوز وقتها 19 سنة … وأضافت قائلة : لكني » جيت نلعب حصلت « مثلما يقول المثل الشعبي فقد ظل دور العجوز حكرا علي مع جل المخرجين الذين تعاملت معه ، وبالرغم من أن بعض النقاد قالوا أنني بقيت سجينة ذلك الدور إلا أني فخورة به وخاصة ب » الفوطة والبلوزة » ورغم حدة الانتقادات فأنا فخورة به.
أعمال وسهرات لاتنسى …
وبالتوازي مع عملها كممثلة بفرقة الإذاعة للتمثيل ، شاركت المملثة دلندة عبدو في عروض مسرحية مع فرق أخرى ، على غرار فرقة مدينة تونس وفرقة المسرح الشعبي بإدارة عبد العزيز العروي وكانت عروض الفرقتين تحظى بإقبال جماهيري منقطع النظير وقد كانت القاعة تغص بالجماهير ، مما اضطرهم إلى تقديم عرضين في يوم واحد … وأضافت انه من معاني حب المهنة والإخلاص لها والغيرة عليها ، كان بعض الممثلين يجلبون معهم بعض « الإكسسوارات » من منازلهم كالملابس وبعض أواني الطبخ .
هناني وحميداتو …
تبقى سلسلة » محل شاهد » التلفزية التي كان الممثل رمضان شطا ، ابرز شريكا لها في التمثيل فيها ، من أهم الإعمال في مسيرة الممثلة دلندة عبدو، فقد كان ذلك العمل الذي كتبه الطاهر الخميري وأخرجه عبد الرزاق الحمامي إلى جانب عدة مخرجين آخرين . وكان يتناول في كل حلقة ظاهرة اجتماعية يعرضها ذلك الثنائي بطريقة مرحة مبسطة استساغها الجمهور وتفاعل معها النقاد ونوهوا بسلاستها ، ومن فرط ظهورهما المستمر في تلك السلسلة ظن البعض إنهما زوجان … والحال أن الممثلة دلندة عبدو لم تتزوج …أما بخصوص المكافأة المالية فقد أكدت في الحديث نفسه أنها كانت تتقاضى 20 دينارا عن كل دور في السلسلة .
ذكريات جميلة …
من الذكريات الجميلة التي ظلت محفورة في ذاكرتها ، هو ان الرئيس الحبيب بورقيبة أمر بتمكينها من مسكن بالحي الاولمبي بجهة حي الخضراء ، وذلك بعدما احترقت شقتها الكائنة » بجهة لافيات » بالعاصمة جراء انفجار قارورة غاز ، كما اتصل بها السيد محمد مزالي ر.م .ع الإذاعة والتلفزة التونسية آنذاك للاطمئنان على صحتها ،وفضلا عن ذلك فقد زارتها الماجدة وسيلة بورقيبة بمنزلها ، وعنها قالت السيدة دلندة عبدو أنها كانت سيدة فاضلة ومتواضعة وقد كانت تربطني بها صداقة متينة ، كما أن الجمهور الواسع أحبني فبادلته الحب نفسه .
سهرات لا تنسى …
من الذكريات التي بقيت عالقة بذهنها أيضا سهرات شهر رمضان المعظم فقد كانت في طفولتها تجمع النقود مسبقا لحضور حفلات الفنانة شافية رشدي في قاعة نزل العباسي بباب سويقة وحفلات المطربة فتحية خيري « بصالة الفتح » التي تحمل اسمها فضلا عن عروض الراقصتين زهرة لمبوبة وفليفلة.