قرر رئيس الجمهورية قيس سعيّد، في ساعة متأخرة من ليلة الإثنين الثلاثاء، التمديد في تدابير استثنائية كان اتخذها يوم 25 جويلية الماضي، إذ أقر الاستمرار في تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه « إلى غاية إشعار آخر »، وذلك رغم معارضة « خصومه السياسيين » لهذه التدابير واعتبارها « خروجا عن الدستور والشرعية ».
وأعلنت رئاسة الجمهورية، في بلاغ صدر ليلة البارحة مع نهاية مهلة الثلاثين يوما التي يمنحها الدستور لإقرار تدابير استثنائية والقابلة للتمديد، أن رئيس الدولة سيتوجه، في الأيام القادمة، ببيان إلى الشعب التونسي.
وكان رئيس الجمهورية أعلن، يوم 25 جويلية الماضي في اجتماع طارئ بقيادات عسكرية وأمنية بقصر قرطاج، عن جملة من الإجراءات والتدابير الاستثنائية، قال إنها تعتمد على الفصل 80 من الدستور وتهدف إلى الحفاظ على الدولة من « خطر داهم ».
وقرر إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي وعدد من الوزراء، وتجميد عمل مجلس نواب الشعب واختصاصاته لمدّة 30 يوما، ورفع الحصانة عن كلّ أعضاء البرلمان، تمهيدا لمحاكمة المطلوبين منهم للعدالة.
وجاءت قرارات الرئيس سعيد في ظل أزمة سياسية حادة بين مكونات منظومة الحكم حول « الصلاحيات »، وكذلك تزامنا مع احتجاجات تخللتها أعمال عنف شهدتها مختلف مناطق البلاد يوم الأحد 25 جويلية 2021، وصفت بأنها الأقوى والأوسع منذ بداية العام الحالي ضد حكومة المشيشي و »الحزام السياسي » الداعم لها، وخاصة حزب حركة النهضة (إسلامي) الأكثر تمثيلا في البرلمان والموجود في الحكم منذ سقوط حكم نظام بن علي في 2011.
وقال الرئيس سعيد لقد « اتخذت جملة من التدابير الاستثنائية، بعد عمليات حرق ونهب، وهناك من يستعد لدفع الأموال للاقتتال الداخلي ».
وأضاف قوله إن « المسؤولية التي نتحملها تقتضي منا عملا بأحكام الدستور اتخاذ تدابير يقتضيها هذا الوضع لإنقاذ الدولة التونسية والمجتمع ».
وقبيل انقضاء مهلة الثلاثين يوما على تجميد البرلمان والعمل وفق التدابير الاستثنائية، دعت أحزاب وقوى سياسية مناوئة للخطوات التي أقدم عليها الرئيس سعيد يوم 25 جويلية الماضي، ومن أبرزها حركة النهضة، إلى العدول عن هذه القرارات التي وصفتها بـ »الصادمة وغير الدستورية » والرجوع الى الاحتكام الى مؤسسات الدولة والقانون.
واعتبرت حركة النهضة، في بيان لها بتاريخ 21 أوت الحالي، ا?ن « القرارات والاجراءات غير الدستورية »، المعلنة يوم 25 جويلية 2021 وما بعده، « تظل استثنائية، وتستدعي .. الاستئناف السريع للمسار الديمقراطي والعمل الطبيعي لمو?سسات الدولة بالاستفادة من ا?خطاء الماضي ومقتضيات المرحلة الجديدة والتزام الجميع بمقتضيات الدستور ».
غير أن الرئيس سعيد أكد في أكثر من مناسبة أنه « لا مجال للعودة إلى الوراء »، في إشارة إلى الوضع ما قبل 25 جويلية، ورفض الحوار مع خصومه السياسيين، واعتبر أن « ما تم اتخاذه من تدابير استثنائية يهدف إلى حماية الدولة التونسية من الانهيار، في ظل التأزم غير المسبوق للأوضاع، ووضع حد لخيارات زادت الشعب بؤسا وفقرا واستباحت قوته وموارده »، وفق تعبيره.
وكانت السلطات التونسية شرعت، في الفترة الماضية وبعد اتخاذ التدابير الاستثنائية، في حملة لمكافحة الفساد، الذي قال الرئيس سعيد إنه انتشر في مفاصل الدولة، إذ شملت الإيقافات مسؤولين كبارا سابقين ورجال أعمال وقضاة ونوابا واتخذت إجراءات منع سفر وإقامة جبرية.
ووجد الرئيس قيس سعيد في تزايد الغضب الشعبي من تفشي مظاهر الفساد سندا له في اتخاذ قراراته الاستثنائية والمضي فيها قدما، وذلك فضلا عن إخفاق حكومة المشيشي في إدارة ملف الأزمة الاقتصادية التي تردت فيها البلاد وكذلك في العجز عن مجابهة جائحة كورونا، الذي بلغ حد تبادل الاتهامات بين رئيس الحكومة ووزير الصحة في ذروة الأزمة الصحية.
ولم يعين الرئيس سعيد إلى حد الآن رئيسا للحكومة، رغم مرور شهر على إعفاء رئيس الحكومة المشيشي وعدد من الوزراء وتوليه مقاليد السلطة التنفيذية كاملة، واكتفى بالقول إن الأيام القادمة ستشهد تكوين حكومة جديدة.
وينص الدستور في فصله 80 بالخصوص على أنه « لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن ا?و ا?من البلاد ا?و استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، ا?ن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثناي?ية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وا?علام رئيس المحكمة الدستورية (لم تتكون بعد)، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان ا?لى الشعب ».
ويجب ا?ن تهدف هذه التدابير ا?لى تا?مين عودة السير العادي لدواليب الدولة في ا?قرب الا?جال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد داي?م طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لري?يس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لاي?حة لوم ضد الحكومة.
وبعد مُضيّ ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يُعهَد ا?لى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب ا?و ثلاثين من ا?عضائه البتُّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه. وتصرح المحكمة بقرارها علانية في ا?جل ا?قصاه خمسة عشر يوما.
ويُنهى العمل بتلك التدابير بزوال ا?سبابها. ويوجه ري?يس الجمهورية بيانا في ذلك ا?لى الشعب « .
ويعتبر رئيس الجمهورية قيس سعيّد، ( أستاذ سابق في القانون الدستوري)، الفائز في انتخابات 2019 بأكثر من سبعين بالمائة من الأصوات، أنه يحق له تأويل أحكام الدستور في غياب محكمة دستورية، تعطل تكوينها منذ إصدار دستور جديد للبلاد سنة 2014.