لبوابة الإذاعة التونسية : عبد الستار النقاطي
فقدت الساحة الثقافية والموسيقية العربية اليوم 2 نوفمبر2021 المطرب العربي السوري صباح فخري صاحب الحنجرة الطربية ورائد القدود الحلبية … و يبقى صباح فخري احد عمالقة الفن و الطرب العربي الأصيل ، واحد ركائزه الأساسية وهو بحق حالة استثنائية في هذا الميدان الشاسع… تعلم الموسيقى والفن على أسس صحيحة ، ونهل من مدارس الطرب ومن أساتذته زادا أهّله ليكون سلطان الطرب بكل ما في الكلمة من معنى … رحلته مع الغناء والطرب تواصلت لأكثر من نصف قرن ، وحضوره بقي راسخا على امتداد أجيال متعاقبة ، وقد عرف بحرفيته وذكائه وعرف كيف يستحوذ على قلوب الجماهير من المحيط إلى الخليج وواصل بقاءه في القمة … قال عنه الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب ذات مرة : صباح فخري بإمكانه الغناء لمدة يومين دون انقطاع ، في إشارة منه إلى تمتع هذا المطرب الكبير بحنجرة قادرة على الأداء وصوت يغني فيطرب غنى صباح فخري في تونس عشرات المرات ، واعتلى ركح المسرح الأثري بقرطاج مرتين … صائفة سنة1974 وصائفة سنة 2002 … وآخر مرة غنى في تونس في مهرجان المدينة ( سبتمبر 2005 ) وكان ذلك الحفل استثناء بما في الكلمة من معنى فقد غنى للجمهور في سهرتين متتاليتين من التاسعة إلى الحادية عشرة ليلا … ومن الحادية عشرة والنصف إلى الواحدة والنصف فجرا … وهنا ينطبق عليه ما قاله عنه محمد عبد الوهاب… عندما فكرت في إجراء حوار له لمجلة « مجلة الإذاعة والتلفزة » ترددت كثيرا لان احد الزملاء قال لي انه فنان متعال على الصحافيين … قررت أن لا اجري الحوار ولكن الصدفة وحدها وضعتني أمامه وأنا أغادر الحفل في قرطاج بادرته بالتحية وقدمت له نفسي وطلبت منه إجراء الحوار …قال بلطف اترك رقم الهاتف عند هذه السيدة وهي زوجته ، فعلت ما طلبه مني وانصرفت وتذكرت وقتها ما قاله لي الزميل الصحفي … ظننتها « صفصطة » مثلما يقال … وبعد مرور 6 أيام تلقيت ذات صباح مكالمة هاتفية من سيدة قالت لي أنا زوجة صباح فخري وهاهو معك على الهاتف ، حياني وقال لي أستاذ عبد الستار المعذرة على التأخير ها بالإمكان أن نلتقي مساء هذا اليوم في الساعة الثالثة بعد الظهر في الأحد المطاعم السياحية… في نفس » الزمكان » كنت في الموعد ولما سالت عنه قيل لي أن الأستاذ صباح سيتأخر لمدة 20 دقيقة… 20 دقيقة مرت وسمعت صوت الأستاذ صباح يسال عني وماهي إلا لحظات وجاءني مرفوقا بصاحب المطعم …وسلم والتفت له قائلا : الصحافيون لهم تقدير خاص عندي فهم أصحاب رسالة تماما مثل الفنانين… وبصدق وجدت نفسي أمام عملاق أربكني حضوره. وتعميما للفائدة ننشر لكم في « بوابة الإذاعة التونسية » أهم ما جاء في الحوار المطول الذي كنت أجربته معه ونشر على أعمدة مجلة « الإذاعة والتلفزة » في أكتوبر سنة 2002 .
وعن بداياته وهل كانت الطريق مفروشة بالورد ضحك طويلا ثم قال: سامحك الله يا بني على هذا السؤال …وأضاف : عن أي ورد تتحدث يا أستاذ جيلنا تعب كثيرا ليحقق النجاح وينحت اسمه عكس مطربي اليوم الذين وجدوا طريقهم مفروشة بالورد.
وردا عن سؤال حول انه والأستاذ محمد عبد الوهاب وأم كلثوم ورياض السمباطي كانت انطلاقتهم من حلقات الأذكار أجاب : أضف لهؤلاء : الشيخ سيد درويش وسلامة الحجازي والشيخ علي الدرويش وغيرهم …كل هؤلاء انطلقوا من حلقات الأذكار لأنها أسس تكوين الصوت السليم .
وردا عن سؤال عمن تلقى دروس الموسيقى؟
قال : في الأربعينات درست في المعهد الشرقي للموسيقى بدمشق كما شاركت بنادي » سباب العروبة » وهو مازال إلى اليوم يتخرج منه المواهب .
وبخصوص تفرده في الأداء الجيد للقدود الحلبية بالرغم من وجود العديد من الفنانين السوريين يؤدون القدود نفسها ضحك مرة أخرى ثم قال : أنت صحفي مشاكس … وأضاف » شوف يا سيدي » لابد أن اشكر الله سبحانه وتعالى على ما وهبني من صوت وحنجرة قوية قادرة على الغناء أضف إلي هذه الموهبة ما تعلمته من دروس في فن الطرب والموسيقى حيث إني حفظت الكثير حتى أصبح عندي رصيد هائل من الأغاني ومن هذا المنطلق كنت متفردا في الأسلوب والأداء .
وإجابة عن سؤال حول انه عندما يغني ينصهر كليا مع الجمهور مع التجلي حتى الرقص وقد لامه بعض النقاد عن ذلك التصرف قال :
أنا احترم رأي النقاد دائما ولكن ليعلم هؤلاء أن لحظات التجلي لا تأتي دائما ، وهي مرتبطة بالجمهور ونوعيته وبحسن استماعه وتفاعله مع الطرب …أضف إلى ذلك صباح فخري إنسان يتأثر ويتفاعل ويرقص وليس جمادا كما يتخيلني البعض.
وردا عن النقاد الذين قالوا انه شحيح ولم يقدم الكثير على مستوى التلحين أجاب :
أشاطرهم الرأي ومرد ذلك أن التزاماتي الفنية والعائلية كثيرة والتلحين يلزمه التفرغ والتركيز، ولكني في حفل قرطاج قدمت أغنية جديدة ويقول مطلعها: » سلي الفؤاد عن الخضراء يا حلب « …
وبخصوص استمرار أغانيه التي تتفاعل معها الأجيال المتعاقبة قال :
لأنها ليست سحابة صيف …أغاني نابعة من التراث الموسيقي العربي الأصيل ، لذلك بقيت خالدة والحمد لله.
طيب ماذا قدم النقيب صباح فخري لزملائه الفنانين والقطاع الموسيقي في سوريا قال:
الم اقل لك انك درست ملفي قبل أن تحاورني … لقد عملت بجهد وإخلاص وأضفت ما لم يستطع تقديمه زملائي الذين سبقوني … واهم ما قدمت للفنانين هو صدور قانون يخول لهم الحصول على رواتب عالية … وصدور قانون النظام الاجتماعي والتغطية عند التقدم في السن….وتركت في خزينة النقابة ( 340الف دولار ) .
وردا عن سؤال حول هل له فكرة عن الأغنية التونسية قال :
أنا متابع جيد للأغنية التونسية …وعندما جئت إلى تونس لأول مرة زرت مقر فرقة الرشيدية بجهة القصبة بتونس…وأعجبت بها كفرقة وبمسيريها على غرار الأستاذ صالح المهدي… واعرف الأصوات القديمة مثل على الرياحي و وصليحة والهادي الجويني وفتحية خيري وعلية واحمد حمزة … كما أنني معجب بأصوات نورالين الباجي ونجاة عطية ولطفي بوشناق وصابر الرباعي ومحمد الجبالي وامينة فاخت وصوفية صادق وسنيا مبارك وهذه الأصوات تؤدي جيدا الأغاني التونسية والعربية.