الكتب الأكثر رواجا بين القراء والأكثر مبيعا تحدّدها اليوم مجموعة من العوامل التي تختلف في الوقت الحاضر عما كانت عليه في الماضي، فقديما كان رواج الكتاب يستند بالأساس إلى المضمون، بينما الآن يتوقف رواج الكتب على عدة عوامل منها العنوان والتركيب وتماشيه مع الذوق العام.
ذلك ما أجمع عليه الكتّاب صلاح الدين الحمادي (تونس) والإيطالي « فابيو فولو » والكاتبة الإماراتية عائشة سلطان، في جلسة حوارية حملت عنوان « ظاهرة الكتب الأكثر مبيعاً »، انتظمت في اليوم الختامي للدورة الحادية والأربعين من معرض الشارقة الدولي للكتاب (2 – 13 نوفمبر 2022).
وقال الكاتب والشاعر التونسي الدكتور صلاح الدين الحمادي، الرئيس السابق لاتحاد الكتاب التونسيين، إن قضية الكتب الأكثر مبيعاً ليست مجرد ظاهرة لكنها تعتبر من إشكاليات الساحة الثقافية، مضيفا أنها تبحث عن الانتشار السريع والرغبة في شهرة النص الأدبي والفكري وهي مسألة موغلة في القدم ومرتبطة بنشأة النصوص الأدبية من قديم الزمان.
وأوضح الحمادي أن الشاعر كان يحرص منذ أيام الجاهلية على أن يصل شعره إلى مختلف البلدان، والآن أصبح هناك أدوات معاصرة للانتشار بما هو « ضرورة للأدب وحاجة للمؤلف، وأصبحت هذه الحاجة مشتركة بين المؤلف والناشر »، مشيراً إلى أن ظاهرة الكتب الأكثر مبيعاً يلعب الناشر فيها دورا كبيرا ومباشرا.
وتابع قوله: « في القديم كان المضمون وجودة الكتابة والتأليف هي الأدوات التي تحدد الكتب الأكثر انتشارا، أما الآن فقد أصبحت ترفدها قواعد أخرى منها الحرص على أن تكون العتبة الأولى للكتاب وأن يكون العنوان مستفزا ومحصورا في مواضيع معينة أهمها المواضيع المسكوت عنها « التابوهات »، فمن الأفضل أن يكون العنوان موحيا بمسائل تلفت انتباه الجمهور، وكذلك المضمون الذي يحاول أن يروّج له الناشر عن طريق وسائل الاتصال الحديثة ».
وشدّد على أن يكون المضمون متماشيا مع الذوق العام للمتلقي، مشيرا إلى أن التنمية البشرية أصبحت ذات صيت عالمي، مبينا أن المؤلف والناشر يختاران هذه المسائل بدقة حتى يضمنا وصول الكتاب لأكبر عدد من المتلقين، مستعمليْن في ذلك وسائط اتصالية حديثة مثل وسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب وسائل الإعلام التقليدية.
وأكد الحمادي أن كل هذه العوامل تحقق رقما هاما في المبيعات، فالمؤلف الذي يكتفي بجودة المضمون حتى لو اعتمد على اسمه فانتشاره سيكون محدودا، لذلك يهتم الناشر بقواعد أخرى مما يجعل هذا الكتاب يغطي مساحات كبيرة من الانتشار، ولابد أن يراعى في كل كتاب الفئة المستهدفة، لافتا إلى أن « الأكثر مبيعا لا يعتمد على قوة مضامين الكتب بقدر ما يعتمد على مهارات التسويق ».
من جانبها، قالت الكاتبة الإماراتية عائشة سلطان: « مثلما يوجد لدينا جوانب متعددة من الأمور التي تؤثر في الشخص ليشتري كتابا فهناك تعدد في أنواع القراء، لكن كلنا نذهب إلى الكتب لنبحث عما نريد نحن، ولكن حينما نكون أطفالا نشتري مثل بعضنا، وإذا كنا يافعين نتأثر بما يوجهنا إليه معلمنا أو بائع الكتب، فإذا لم يكن لدينا خبرة نشتري ما يقال لنا، وحينما نكبر ويصبح لدينا خبرة تتراكم عبر الزمن، نشتري ما يلاقي احتياجاتنا ».
وذكرت أن معظم من يشترون كتبا لا يقرؤون نصف الكتب التي اشتروها، إما لشعورهم بأنهم تسرعوا، أو لأن الناس تتلصص على بعضها لمعرفة ماذا اشترى فلان أو فلان، قائلة: « رأيت أناسا يدخلون أجنحة للعارضين ويسألون عما اشتراه الناس فيشترون مثلهم ».
وأفادت أن مصطلح « الأكثر مبيعا » هو مفهوم ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة عام 1889، واليوم بعد كل هذا التراكم وصارت مؤسسات تتبنى هذا التقييم، « لكننا في المنطقة العربية لا نقوم بذلك بل نعتمد على إقناع الناس بأن الكتاب ضمن الأفضل مبيعا »، مبرزة أن الكتاب لا يصنف في بريطانيا ضمن الـ »best seller » أي الأكثر رواجا إلا إذا كانت مبيعاته تتراوح بين 7 إلى 25 ألف نسخة في الأسبوع، وبالتالي هذه المسألة معقدة، بحسب تعبيرها.
أما الكاتب الإيطالي « فابيو فولو »، فقد تحدث عن بدايته الكتابة لأول مرة في حياته في عمر العشرين بعد حادث دراجة نارية تعرض له وكُسرت ساقه خلاله، موضحا أن الكتاب تضمن مدونات شخصية كتبها على مدار 15 عاماً، فيما جاء الكتاب الثاني له ضمن « الأفضل مبيعاً ».
وأضاف: « لا أهتم حينما أقوم بكتابة القصة بالإعلام، فهذا شيء خاص بي وهذه طريقتي في العمل، فأنا أقوم فقط بالتعبير عن نفسي ولا حتى أفكر هل الأشخاص سيحبون القصة أم لا، بل أعتنى بنفسي فقط، وأنا كقارئ أحب الكتاب حينما يتحدث عني ».
وختم حديثه بالقول: « إن التسويق ليس أن نقوم ببيع الكتب، ولكن بأن نعوّد الأطفال على القراءة، فحينما تقرأ كتاباً سيقودك إلى مزيد من الكتب، لكن حينما يقوم شخص بالسيطرة عليك بالتسويق ستقرأ الكتاب لمرة واحدة؛ فالتسويق لن يكون له معنى فقد يكون مهما لمرة واحدة لكن إذا لم يكن الأشخاص قد قاموا بسرده بصورة مميزة فلن يستطيعوا تسويقه مجدداً، فالعمل الأفضل هو الذي يبقى طويلا ».