اتفق عدد من المختصين والمهتمين بالدراما التلفزيونية على أن حرفة السيناريست غير متوفرة في الدراما التونسية وأن هناك غياب للمعالجة الدرامية قبل كتابة السيناريو، على حدّ تعبيرهم. جاء ذلك خلال مسامرة رمضانية نظمها بيت الرواية، الليلة الماضية (5 أفريل) حول « كتابة السيناريو: إشكالات التلقي »، وأثثها كل من الأكاديمي والناقد أحمد القاسمي والكاتبة بلقيس خليفة والصحفي كمال الهلال الهلالي والمخرجين السينمائيين مراد بالشيخ وعبد الله الشامخ. ولاحظ الأستاذ أحمد القاسمي، في مستهل مداخلته، أن القنوات الخاصة تقدم مادة درامية « مبتذلة » باسم حرية التعبير الفني، لافتا إلى أن « الحرية لا تعني أن يقول المبدع أي شيء كما يريد هو »، بل هي تتيح له معالجة المسائل بعمق مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية العائلة التونسية في شهر رمضان. ويرى أن كتابة السيناريو تغيّرت اليوم على مستوى البنية الدرامية، إذ أصبحت الأحداث تتصاعد منذ الحلقتين الأولى والثانية، رغم أن الوظيفة الرئيسية للحلقات الأولى هي تقديم الشخصيات والأحداث. وأضاف أن الأعمال الدرامية المعروضة غلبت عليها السطحية وغاب عنها العمق. وعن موقفه من عدم اقتباس كتّاب السيناريو من الأعمال الروائية، أفاد القاسمي أن الكتابة الأدبية في تونس هي كتابة تأملية لكنها غير مشهدية. وأبرز المخرج مراد بالشيخ أن أغلب السيناريوهات المكتوبة للدراما التونسية لا تستجيب للمقاييس التقنية في كتابة السيناريو ولا تحتوى على أدنى مقومات كتابة السيناريو من حيث الشكل، مشيرا إلى أن السيناريو هو كتابة فنية مقننة ومدروسة وقائمة على نظام دقيق وآليات علمية محدّدة. ويُضيف بالقول: « لا تستجيب معظم السيناريوهات المكتوبة لشروط كتابة السيناريو، حتى إن أغلب الأعمال الدرامية تمرّ إلى التصوير والسيناريو لم تنته كتابته بعد ». ويرى أن « السيناريست » أصبح لا يخاطر بجهده في البحث والكتابة لأكثر من سنة، ليُرفض عمله أو يحفظ في الرفوف. وبخصوص عدم الاقتباس من الأدب التونسي أو العربي، يعتبر مراد بالشيخ أن الروايات ليست كلها ملائمة لتكتب للتلفزيون أو للسينما وهي ليست كلها قابلة للتحويل المشهدي. وتعتبر بلقيس خليفة أن الممثل التونسي لا يمكنه أن يُبديَ رفضه للسيناريو المعروض عليه لاعتبارات مهنية ومادية، « فهو العمل السنوي الوحيد له للظهور أمام ندرة الأعمال الدرامية ». وقالت إن للقنوات الخاصة أغراض تجارية بالأساس، لكن ينبغي عليها أيضا أن تراعي الخصوصية الثقافية والفنية. من جهته، يعتقد الصحفي كمال الهلالي أن الأزمة الحالية للدراما التونسية تعكس أزمة على مستوى كتابة السيناريو وأخرى على مستوى المعالجة الدرامية قبل كتابة السيناريو. ولتدعيم موقفه، أجرى الهلالي مقارنة بين كتابة السيناريو للأعمال الرمضانية الحالية والأعمال السابقة في الفترة التي سبقت الثورة، ليقول: « كنا في الماضي نوجه النقد للكاتب علي اللواتي مثلا لأنه أهمل بعض الجوانب في السيناريو، لكن اليوم نتبيّن أننا أمام أزمة حقيقية في كتابة السيناريو ». أما المخرج عبد الله الشامخ، فقد ذهب في مداخلته إلى الحيّز الزمني لكتابة السيناريو، قائلا إن كتابة السيناريو ينبغي أن تأخذ مساحة زمنية مهمّة قد تصل ثلاث سنوات في بعض الأحيان، إذ على الكاتب أن يدوّن التفاصيل الدقيقة للعمل الدرامي ثم القيام بمراجعات قبل بدء التصوير. وذكر أيضا أن كتابة السيناريو لا تتوقف عن الكتابة الأولى فحسب، بل يمكن أن تتغيّر أثناء التصوير وحتى أثناء مرحلة المونتاج. واعتبر أن الأزمة لا يمكن حصرها في مجال كتابة السيناريو فحسب، إذ من الممكن أن يكون السيناريو جيّدا، لكن قد يفقد بريقه أثناء التصوير أو أثناء المونتاج. ولئن اختلف الحضور أثناء النقاش حول مسألة الحرية في الدراما الرمضانية بين موقف مؤيّد للحرية التامة وغير المشروطة وموقف يدعو لتقييد هذه الحرية لتتلاءم مع خصوصية شهر رمضان، فإن الإجماع حصل بخصوص غياب العمق الدرامي للأعمال على مستوى الشكل والمضمون رغم أهمية القضايا المطروحة، فضلا عن غياب تصوّرات للنهوض بالدراما التونسية. كما تمّت الدعوة لتكثيف الورشات التدريبية حول كتابة السيناريو