أمام شبابيك مغلقة في مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي، أنشدت تونس للمقاومة والحرية للشعب الفلسطيني الشقيق الذي يرزح تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من 75 سنة. وأحيى هذه السهرة الغنائية الملتزمة التي خُصّصت عائداتها لأهالي غزة، كلً من الفنانين التونسيين لطفي بوشناق ودرصاف الحمداني ولبنى نعمان وكذلك الفنانة الأردنية مكادي نحاس، بمرافقة موسيقية للأوركستر السمفوني التونسي بقيادة الأستاذين كمال الفرجاني وفادي بن عثمان.
وحضر هذه السهرة الغنائية الملتزمة جمهور غفير من جميع الشرائح العمرية توشّح بعضه بالكوفية الفلسطينية، فيما حمل عدد آخر منهم العلميْن التونسي والفلسطيني. كما سجلت السهرة التضامنية مع الشعب الفلسطيني حضور وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي ووزير التربية محمد علي البوغديري ومستشار رئيس الجمهورية وليد الحجام، إلى جانب ممثلين عن البعثة الديبلوماسية والقنصلية بسفارة دولة فلسطين المعتمدين بتونس.
وحرص الفنانون في هذه السهرة على انتقاء الأغاني بعناية فائقة، فراوحت بين الأغاني الحماسية المحفّزة على الصمود والمقاومة والتي تتغنى بالأرض والوطن، وأخرى تعكس أوجاع الفلسطينيين تحت وطأة احتلال وحشي يعمل على تجريد أصحاب الأرض من حقوقهم وحرياتهم.
واستُهلّت السهرة بتحية العلميْن التونسي والفلسطيني، ثم أدى كورال الأطفال « سيدي سامي » مصحوبا بالكورال الوطني وأصوات أوبرا تونس بحماس أوبيرات « الحلم العربي »، قبل أن يتم فسح المجال للعرض الرسمي الذي أمنته جوقة موسيقية متألفة من 65 عنصرا، فكانت الإطلالة الأولى للفنانة درصاف الحمداني التي أدت بأحاسيس مرهفة « زهرة المدائن » لفيروز، ثم « عصفور طل من الشباك »، وكذلك الأغنية الوطنية التونسية « بني وطني » للفنانة الراحلة عُليّة.
ودوّى صوت الفنان لطفي بوشناق عاليا مردّدا « خليك صامد يا فلسطيني » و »أنا العربي » و »طبعي السلام » تخللتها هتافات جماهيرية داخل القاعة مناصرة للقضية الفلسطينية ومنددة بجرائم الاحتلال الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل.
وكان الفنان اللبناني مرسيل خليفة الملتزم بقضايا الشعوب المضطهدة، الغائب الحاضر عن هذه السهرة، ولئن لم يتسن له القدوم للمشاركة في السهرة لأسباب صحية، فإنه أصرّ على تسجيل حضوره عبر كلمة مصورة تم بثها على الشاشة وعبّر فيها عن دعم القضية الفلسطينية وإدانة المجازر الصهيونية على قطاع غزة. ولمارسيل خليفة، استمع الجمهور لأغنية « إني اخترتك يا وطني » أداء الكورال الوطني وأصوات أوبرا تونس، الذي غنى أيضا لتوفيق زياد « يا شعبي يا عود الند ».
واعتلت الفنانة لبنى نعمان الركح وهي التي اختارت طريق الغناء الملتزم مسكونة بهواجس قضايا الشعوب المضطهدة وبالدفاع عن الحقوق والحريات الإنسانية الكونية، فأنشدت من روائع الفنانة الفلسطينية الراحلة ريم البنا » احكي للعالم »، وغنّت من قصائد الشاعر الثائر محمود درويش » على هذه الأرض ما يستحق الحياة « .
واختتمت الفنانة الأردنية مكادي نحاس هذه السهرة، فغنت « يا ظلام السجن خيّم » للشاعر « نجيب الريس و »يا عمي يابو الفانوس » و » يما مويل الهوى ». وبكلمات مؤثرة ناصرت مكادي النحاس فلسطين وشعبها الأبيّ الصامد والمقاومة، منادية بوقف العداون على غزة وفلسطين عموما.
وفي تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء، ثمن المايسترو كمال الفرجاني بهذه البادرة، قائلا إن الموسيقى تحمل رسائل إنسانية وهي فعل مقاوم ووسيلة نضالية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي والتعريف بالقضية الفلسطينية لدى الأطفال والناشئة وشحذ همم الشعوب لمناصرة القضايا العادلة.
وقالت الفنانة درصاف الحمداني، إن الغناء لفلسطين ومناصرتها كان أكثر صدقا وإحساسا في الأداء ويعكس وجع المشاهد التي خلّفها العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، داعية قادة الدول العربية للتحرك من أجل وقف الجرائم الصهيونية.
بدورها، اعتبرت الفنانة لبنى نعمان أن الفنان ينبغي أن يكون ملتزما برسالة مناصرة الحقوق والحريات والدفاع عن المضطهدين وأن يكون صوتهم المدوّي عاليا. وتحدّثت أيضا عن أهمية التعريف بالقضية الفلسطينية لدى هذا الجيل والأجيال اللاحقة، منوّهة بالهبّة الشعبية العفوية والمسيرات التلمذية المناصرة لفلسطين.
وتجدر الإشارة إلى أن عائدات هذه السهرة التضامنية خُصّصت للمساعدات الصحية والإنسانية للشعب الفلسطيني الشقيق بالتنسيق مع الهلال الأحمر التونسي.