أكد رئيس الحكومة الانتقالية محمد البشير الأربعاء أن تحالف الفصائل المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام سيضمن حقوق جميع الطوائف والمجموعات، ودعا ملايين السوريين الذين لجأوا إلى الخارج للعودة إلى وطنهم.
في الأثناء، يتوجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الأردن ثم إلى تركيا للبحث في الوضع في سوريا. وفي محادثات الخميس المقررة في مدينة العقبة على البحر الأحمر وبعدها بيوم في أنقرة، “سيؤكد بلينكن دعم الولايات المتحدة لعملية انتقالية شاملة بقيادة سوريا إلى حكومة مسؤولة وممثلة” للجميع، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر.
وبينما عبرت الأمم المتحدة والدول الغربية عن قلق بشأن كيفية تعامل السلطات الجديدة، التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقا قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، مع الأقليات في سوريا، أكد البشير الذي سيتولى تسيير الأعمال حتى مارس أن “جوهر الإسلام، وهو دين العدل، تمّ تحويره. لأننا إسلاميون بالتحديد، سنضمن حقوق كل الناس وكل الطوائف في سوريا”، في تصريح لصحيفة كورييري دي لا سيرا الإيطالية مع إقراره بأن “أخطاء ارتكبتها بعض الجماعات الإسلامية” أدت إلى تشويه الإسلام وربطه بالإرهاب والتطرف.
وأضاف “لا مشكلة لدينا مع أي كان، مع أي دولة، حزب أو طائفة، نأت بنفسها عن نظام الأسد المتعطش للدماء”.
تقود هيئة تحرير الشام التحالف الذي دخل الأحد دمشق، وأطاح بعائلة الأسد التي حكمت البلاد بيد حديد على مدى نصف قرن. ورغم أنها نأت بنفسها عن تنظيم القاعدة المتطرف، ما زالت الهيئة محظورة في العديد من الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي تصنفها إرهابية.
ودعا البشير نحو ستة ملايين سوري، يشكلون ربع السكان، فروا من البلاد منذ العام 2011 إلى العودة من أجل “إعادة البناء” وتحقيق الازدهار.
وقال بعد حرب أهلية التي تواصلت 13 عاما وتحولت إلى نزاع تدخلت فيه أطراف عدة وخلف أكثر من نصف مليون قتيل “سوريا الآن بلاد حرة استعادت عزتها وكرامتها. عودوا”، بعدما جمدت عدة دول من بينها ألمانيا والنمسا والمملكة المتحدة واليونان إجراءات طلبات اللجوء للمواطنين السوريين.
والإثنين، أكد أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، الذي صار يعرف باسمه الحقيقي أحمد الشرع، أن سوريا لن تشهد حربا أخرى.
وفي القرداحة بمحافظة اللاذقية، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن مقاتلين من فصائل معارضة أحرقوا ضريح الرئيس السوري السابق حافظ الأسد حيث دفن عام 2000.
من جانبه، أعلن حزب البعث الذي حكم سوريا طيلة عقود تعليق أنشطته. وقال الأمين العام المساعد للحزب ابراهيم الحديد في بيان أن القيادة المركزية للحزب قررت “تعليق العمل والنشاط الحزبي بكافة أشكاله ومحاوره حتى إشعار آخر”، وكذلك “تسليم كافة الآليات والمركبات والأسلحة” الى وزارة الداخلية، على أن “توضع كافة أملاك وأموال الحزب تحت إشراف وزارة المالية.. ويودع ريعها في مصرف سوريا المركزي”.
– استعادة الشعور بالأمان –
في دمشق، حيث ترفرف راية الفصائل بألوانها الأخضر والأبيض والأسود، تعود الحياة شيئا فشيئا إلى طبيعتها. في مقهى جلست فيه مع أصدقائها أعربت الطبيبة رانيا دياب البالغة من العمر 64 عاما عن الأمل “في أن نتمكن من العيش بشكل طبيعي في بلدنا، وأن يتم الحفاظ على حرياتنا”.
لكن تبقى الأولوية لعدد كبير من السوريين هي البحث عن أحبائهم المفقودين على مدى عقود شهدت قمعا عنيفا.
وفي مشرحة أحد مستشفيات العاصمة، صرخت نساء “أين أولادنا”، وهن يتمسكن بالجدران، يائسات من إيجاد حل لمحنة يعشنها منذ سنوات.
وراح نبيل الحريري الآتي من درعا في الجنوب، يفحص صور الجثث ، بحثًا عن شقيقه الذي اعتقل عام 2014 عندما كان عمره بالكاد 13 عاما. وقال الرجل البالغ من العمر 39 عاما “الغريق يتعلق بقشة”.
منذ العام 2011، قُتل أكثر من 100 ألف شخص في السجون السورية، بحسب تقديرات نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان، في العام 2022.
وأكد الجولاني الأربعاء “لن نعفو عمن تورط بتعذيب المعتقلين وتصفيتهم.. وسنلاحقهم في بلدنا” مطالبا الدول “بتسليمنا من فرّ إليها من هؤلاء المجرمين لتحقيق العدالة”.
وفي تطور لافت، أعلن مدير مطار دمشق الدولي أنيس فلوح لوكالة فرانس برس أن المطار سيعاد فتحه “خلال الأيام القليلة المقبلة”.
وفي حلب، ثاني مدن سوريا وأول مدينة كبرى سيطرت عليها الفصائل المسلحة مع بدء هجومها في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، قال رمضان دالي، وهو صاحب متجر له من العمر 70 عاما، “بدأنا نشعر بالأمان”.
وقالت جومان خيلالي وعمرها 40 عاما، “الوضع غير مستقر وغير واضح بعد” بشأن حتى أبسط جوانب الحياة، مثل مدرسة ابنها البالغ من العمر 10 سنوات وارتفاع الأسعار.
وقالت “كل شيء سعره غالٍ”.
وإن أخذت الكثير من العواصم الأجنبية والأمم المتحدة علماً بالإشارات التي أرسلتها السلطة الجديدة، فقد أكدت على ضرورة ترجمتها إلى أفعال، وأن تسعى إلى عملية أشمل تجمع مختلف الأطراف لتجنب اندلاع “حرب أهلية جديدة” في سوريا.
وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن لوكالة فرانس برس “إن أكبر مخاوفي هو أن تؤدي المرحلة الانتقالية إلى إحداث تناقضات جديدة بطريقة يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات داخلية جديدة وربما حرب أهلية جديدة”.
وقال إنه يأمل أن تدرك السلطات الجديدة الحاجة إلى حكومة جامعة، محذرا من أنه “إذا لم يحدث ذلك، فلن يؤدي إلى إحداث حالة من التوتر داخل سوريا فحسب، مع احتمال اندلاع اضطرابات داخلية جديدة، لا بل حتى حرب أهلية، بل سيولِّد أيضا ردود فعل سلبية من الدول المجاورة”.
وقالت واشنطن إنها “ستعترف وتدعم بشكل كامل الحكومة السورية المقبلة الناتجة عن عملية (سياسية) جامعة”، في حين أشار الاتحاد الأوروبي إلى “التحديات الهائلة” التي تنتظرها وأعرب عن أمله في ألا تكرر سوريا “السيناريوهات المرعبة” التي شهدها العراق وليبيا وأفغانستان.
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “إن الأمم المتحدة ملتزمة تماما دعم انتقال سلس للسلطة من خلال عملية سياسية شاملة تحترم فيها حقوق جميع الأقليات كاملا وتمهيد الطريق لسوريا موحدة تتمتع بسيادة مع ضمان وحدة أراضيها”.
الكرملين، حليف النظام المخلوع، أكد أنه حريص على تأمين الاستقرار في أسرع وقت ممكن، مشيرا إلى أنه “على اتصال” مع السلطات الجديدة، خصوصا فيما يتعلق بمستقبل القاعدتين العسكريتين الروسيتين في البلاد.
وأعلنت قطر عن إعادة فتح سفارتها في سوريا، بعدما قطعت علاقاتها مع السلطات السابقة.
– هدنة على الجبهة الكردية –
في شمال شرق سوريا، حيث أدى القتال بين القوات الموالية للأكراد والقوات الموالية لتركيا إلى مقتل 218 شخصا في ثلاثة أيام وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديموقراطية التي يهيمن عليها الأكراد وتدعمها واشنطن “توصلنا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في منبج بوساطة أميركية، حفاظا على أمن وسلامة المدنيين”.
وأضاف “هدفنا هو وقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية والدخول في عملية سياسية من أجل مستقبل البلاد”، مشيراً إلى أنه “سيتم إخراج مقاتلي مجلس منبج العسكري من المنطقة في أقرب وقت”.
مساء الثلاثاء، سيطرت الفصائل المسلحة على مدينة دير الزور في شرق البلاد التي انسحبت منها القوات الكردية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
من جانبها، دعت فرنسا إسرائيل إلى الانسحاب من المنطقة العازلة التي سيطرت عليها على تخوم الجولان السوري المحتل.
كذلك، دعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك تركيا وإسرائيل إلى عدم تهديد الانتقال السلمي للسلطة في سوريا. وقالت “اذا أردنا سوريا مسالمة، فيجب ألا تكون سلامة أراضيها موضع تهديد، ويجب ألا تهدد الدول المجاورة مثل تركيا وإسرائيل اللتان تثبّتان مصالحهما الأمنية، هذا المسار من خلال أفعالهما”.
وحذرت قائلة “يجب ألا تصبح سوريا مرة أخرى لعبة في يد قوى أو دول أجنبية”.
لكن إسرائيل توعدت بعدم السماح “لأي قوة معادية بالتمركز عند حدودها” في جنوب سوريا حيث أمر وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس قواته بإنشاء “منطقة خالية تماما من الأسلحة والتهديدات”.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه هاجم “خلال 48 ساعة… غالبية مخزونات الأسلحة الاستراتيجية، خشية سقوطها بيد عناصر إرهابية”.
لكن خبراء من الأمم المتحدة قالوا إن الضربات الإسرائيلية في سوريا لا مسوغ لها بموجب القانون الدولي، وإن تدمير الأسلحة على نحو “وقائي” يفتح الباب أمام “فوضى عالمية”.
فرانس براس