ثمن رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، مساء امس الأربعاء بقصر قرطاج، خلال الندوة الصحفية المشتركة التي عقدها مع نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، زيارة الدولة التي يقوم بها رئيس فرنسا إلى تونس، مشيرا إلى أن « هذه الزيارة تتضمن أكثر من رسالة وتعتبر بمثابة انطلاقة جديدة في العلاقات بين البلدين ».
كما توجه قايد السبسي بالشكر إلى الرئيس ماكرون وإلى الحكومة الفرنسية، من أجل الدعم الجدي الذي لقيته تونس من لدن فرنسا بخصوص ما أعتبره « مظلمة القرن » وهو تصنيف تونس من طرف أوروبا « ملاذا ضريبيا »، قائلا في هذا الصدد: « إن هذا الأمر أعطى صورة غير صحيحة عن تونس وأضر بنا كثيرا ».
ولاحظ رئيس الجمهورية أنه بالإضافة إلى توقيع اتفاقيات في المجال المالي، هنالك اتفاقيات ذات صبغة ثقافية »، مبرزا حرص تونس على إرساء التعاون في مجالات الثقافة والتعليم وخاصة لفائدة الشباب، لمساعدته على الخروج من الوضع الذي تعيشه هذه الفئة ».
وعلى مستوى التعاون الخارجي، بين رئيس الدولة أنه تطرق مع نظيره الفرنسي إلى الأوضاع في ليبيا، وقال « سنعمل سويا على عودة المياه إلى مجاريها وإقامة دولة ليبية صرفة، دون أي تدخل خارجي ». كما تطرق الطرفان إلى التعاون التونسي الفرنسي بخصوص القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن مواقف البلدين إزاء هذه القضية « متقاربة ».
ومن جهته، جدد الرئيس الفرنسي التزام بلاده بدعم تونس وشعبها في هذه المرحلة من تاريخها، بعد سبع سنوات من الثورة، ووصف العمل الذي قام به التونسيون من خلال تبني دستور جديد ب »المثالي »، ملاحظا أنه يمكن لعديد الدول أن تستلهم من تجربة الإنتقال الديمقراطي التي اعتبرها « نموذجية ». وقال في هذا الصدد، إن « معركة تونس في الدفاع عن قيم الديمقراطية وحرية الضمير والمساواة بين النساء والرجال، في هذه اللحظة، هي معركتنا نحن أيضا ».
وأضاف ماكرون أن تعزيز العلاقات القائمة بين البلدين، تمليه الظروف الإقليمية المحيطة بهما، والسياق الجيوسياسي والوضع الأمني غير المستقر والنزاع في العراق وسوريا وليبيا وموضوع الإرهاب وما يمثله من تهديد دائم للبلدين، بما يبرر التوقيع على اتفاقيات ومبادرات في المجال.
وأكد على ضرورة « استقرار الأوضاع في ليبيا وسلامة أراضيها كشرط لاستقرار المنطقة وخاصة الدول المجاورة وللجارة تونس على وجه الخصوص »، مبرزا دعم فرنسا للعمل الذي يقوم به الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، ومعربا عن الأمل في أن يؤدي هذا العمل إلى وضع دستور وانتخابات في ليبيا في الأشهر المقبلة، وإيجاد حل للأمن والإستقرار في هذا البلد.
وفي ما يتعلق بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، أوضح الرئيس الفرنسي أنها كانت نتاج عمل مشترك وأن المسألة ليست مسألة مساعدة فرنسا لتونس. وأضاف قوله: « ندرك أيضا أن مستقبل تونس مرتبط بالتقدم في مجال الإستثمار ونجاحها في العودة إلى قطب جاذب للإستثمار والمستثمرين الأجانب والسياح »، ملاحظا أن « فرنسا قامت بما يجب القيام به لتأتي القرارات الأوروبية ملائمة ومواكبة للعمل الذي تقوم به تونس في المجال الاقتصادي ».
وذكر أن اتفاقيات وبرامج التعاون التي يعود تنفيذها ومواكبتها للوكالة الفرنسية للتنمية، تشمل إلى جانب الأمن والدفاع ومكافحة الخطر الإرهابي والتسفير والتصدي للهجرة غير الشرعية، إنعاش الإستثمار ودعم القطاعين العام والخاص والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، فضلا عن حشد المستثمرين خلال منتدى الأعمال التونسي الفرنسي السنوي الذي سينعقد غدا الخميس.
كما تهم هذه الإتفاقيات التكوين وتشغيل الشباب والتعليم والتعليم العالي والبحوث والتبادل الأكاديمي، وتحديث التعاون الثقافي بين البلدين مع التركيز على قمة الفرنكفونية والتي تستضيفها تونس عام 2020.
وفي رده على سؤال حول مدى التزامه بدعم المسار الإنتفالي والديمقراطي في تونس، في ظل النقد الذي وجه للنظام التونسي في مواجهته للإحتجاجات وخاصة تنديد منظمة « أنا يقظ » بتدخل الشرطة تجاه المحتجين، قال ماكرون: « إن هذه المنظمة نددت أيضا بما يحدث في فرنسا ولا أعتقد بالتالي أن فرنسا معادية لحقوق الإنسان ».
وتابع قوله: « في وقت ما لم تكن توجد ديمقراطية هنا (في إشارة إلى تونس)، ومن واجبنا مساعدة الديمقراطيات الناشئة وخاصة في مثل هذه الأوقات الصعبة، إذ تمر البلاد بمرحلة اقتصادية حرجة جدا وتواجه خطر الإرهاب وهذا يمكن أي يحصل في أي بلد آخر، وعلينا أن نقدم المساعدة المطلوبة كي تستعيد تونس نموها الإقتصادي ».
وفي سياق متصل قال رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي: « الديمقراطية في تونس ما تزال في خطواتها الأولى وديمقراطيتنا ليست وليدة قرنين وليست لدينا بعد ثقافة الديمقراطية مثلكم في فرنسا »، مضيفا قوله: « نحن في تونس نناضل من أجل الديمقراطية التي تتطلب دولة القانون وصحافة حرة. كما أننا نحترم حق التظاهر، لكن هناك من يعمد إلى التخريب .. والدولة من حقها التصدي لمثل هذه الأعمال والمحافظة على مكاسب الدولة. أما عمليات الإيقاف فقد تمت جميعها بعد استشارة النيابة العمومية ».
وفي رده على سؤال حول ضعف تشغيلية فئة الشباب، خاصة من حاملي الشهائد العليا ومجهود فرنسا للوقوف إلة جانب تونس في هذا المجال، جدد الرئيس الفرنسي تأكيد على مساعدة بلاده لتونس من أجل حل هذا الملف، من خلال دعم المشاريع الوطنية ذات العلاقة والدفع نحو التكوين في مجالات ذات تشغلية عالية.