لبوابة الإذاعة التونسية : عبد الستار النقاطي
فقد الساحة الإعلامية يوم الأحد 34 أكتوبر 2020 واحدا من ابرز صحفييها وهو الإعلامي المنصف المؤذن الذي وافاه الأجل المحتوم بعد إصابته بفيروس « كورونا المستجد » واقامته لاكثر من اسبوعين في مستشفى الامراض الصدرية … والمنصف المؤذن يعد أحد أبرز الصحافيين في الإذاعة والتلفزة التونسية، حيث بدأ مسيرته قارئاً للأخبار، فصحافيا ميدانيا تولى تغطية الأحداث الإعلامية الكبرى التي شهدتها تونس. كما تولى بعد ذلك عدة مسؤوليات في الإذاعة والتلفزة التونسيية قبل الفصل بينهما في موفى ديسمبر 2007 ، حيث عمل رئيس تحرير مساعد لمجلة الإذاعة والتلفزة التونسية في الفترة التي تولاها كل من محمد علي الحباشي وجمال الدين الكرماوي، كما كان مؤسس وصاحب صحيفة « البطل » التي تعتبر أول صحيفة تونسية مختصة فى الرياضة، ثم أصبحت بعد سنة 1987 جريدة جامعة مستقلة . كما عمل ككاتب عام في جمعية الصحافيين التونسيين،التي تحولت في ما بعد إلى النقابة الوطنية للصحافيين … وفي 2012سنة أسس موقع « هنا تونس »، وهو موقع إخباري وثقافي تونسي .
وفي أخر حوار نشر له على أعمدة مجلة الإذاعة في ركن « ذاكرة أستوديو » تحدث المنصف المؤذن عن بداياته وعن التدرج في مسيرته المهنية فقال :
ولدت بجربة يوم غرة مارس سنة 1948 وأنا الابن الأكبر في عائلة تتكون من سبعة أبناء وتنقلت في الدراسة بين جربة والصادقية والوردية .ثم وصلت دراستي بمعهد الصحافة وتخرجت ضمن أول دفعة منه وقد كان مقره قرب مبنى الإذاعة التونسية .وكان والدي زيتوني التكوين يعمل في الإذاعة كموزع للهاتف المركزي وهو أول تونسي كفيف يدرب المكفوفين في اختصاص موزع الهاتف .ويضيف : بدأت خطواتي الأولى داخل أروقة الإذاعة يوم غرة جويلية سنة 1966 بالتدرّب في قسم الأخبار تحت إشراف السيدالهادي رئيس القسم وقد وجدت منه كل الترحيب والمساعدة وأول مهمة أوكلت لي في الإذاعة هي الالتحاق « بقسم الاستماع » طيلة اشهرللإنصات لكل الإذاعات وكان ذلك أمرا أساسيا ومهما … ثم طلب مني رئيس القسم تسجيل نشرة الأخبار بصوتي ولكنها لا تبث باعتبارها » تجربة صوتية » كما أوصاني بالتقطيع الجيد للنص والحرص على تفادي الأخطاء اللغوية في النحو والصرف . ولما تأكد من تمكني الجيد من أبجديات العمل الصحفي ألحقني نهائيا بقسم الأخبار .
عمل مرهق ومفيد …
وعن خصوصية العمل الإذاعي في البدايات يقول سي المنصف :كان يوجد صحفي واحد يفتتح الإذاعة مع راقن وفني وبالنسبة إلى قسم الأخبار فان صحفيا فقط ينجز النشرة ويقدمها مع ثلاثة مواجيز ومعرض الصحافة ، إضافة إلى ترجمة افتتاحيات جريدتي « لابراس ولاكسيون » كل صباح. وكانت عملية المونتاج مرهقة خاصة واني كنت مختصا في « تنظيف » الخطب الرئاسية للزعيم الحبيب بورقيبة وبعده زين العابدين بن على عبر نزع التلعثم في الكلام وكانت عملية صعبة .. إضافة الى قيامي بتلخيص الخطب أيضا.
علاقة خاصة بالرئيس الحبيب بورقيبة …
مع تطور مسيرتي المهنية اصبحت لي علاقات كبيرة ،أما عن العلاقة التي جمعتني بالرئيس الحبيب بورقيبة فقد كنت أقوم بتغطية النشاط الرئاسي في قصر قرطاج في إطار عملي الإعلامي. واستحضرجيدا متابعة بورقيبة الدقيقة للإذاعة الوطنية من خلال الإنصات لمختلف البرامج فقد كان الزعيم حريصا على الاستماع إلى المدائح والأذكار التي تبث يوميا على الساعة السادسة صباحا وقد غضب بورقيبة ذات مرة بسبب عدم بثها نتيجة سهو من قبل احد التقنيين، وكان بورقيبة يتصل مباشرة بقسم الأخبار ليصحح بعض الأخطاء للصحفيين من ذلك مطالبته بذكر اسم الماجدة وسيلة التي قامت باستقبال الفلسطينيين القادمين إلى تونس في أوت 1982 بعد إجلائهم من بيروت وبعد تصحيح الخبر يعيد بورقيبة الاتصال بالصحفيين ليشكرهم فقد كان بورقيبة قريبا من الصحفيين ويلتقي بهم ويستضيفهم في القصر صحبة حرمه الماجدة وسيلة .
مواكبة لاهم الاحداث الكبرى …
ومن أهم الأحداث الوطنية الكبرى التي واكبها المنصف المؤذن قال : اهم حدث وطني واكبته كصحفي في قسم الأخبار هو إعلان الوحدة بين تونس وليبيا في جانفي 1974 وهي أعجوبة في التاريخ وقد جاء الخبر بطريقة فجئية ، فقد كان ذلك يوم سبت وكنت اعمل في الفترة المسائية من الساعة الواحدة بعد الظهر إلى الخامسة مساء وفي حدود الساعة الثالثة هاتفني وزير الخارجية آنذاك، المرحوم محمد المصمودي، وطلب مني الاستعداد لبث نقل مباشر من جربة على الساعة الرابعة وكلفني أن أبث على موجات الإذاعة جملة واحدة أملاها علي »انتظروا بيانا هاما » هذا دون أن اعرف محتوى « ذلك البيان » ثم تدخّل على المباشر ليعلن عن قيام الجمهورية العربية الإسلامية من تونس، جيش واحد وعلم واحد… وفي اليوم نفسه على الساعة الخامسة طلبتني وسيلة بورقيبة حرم الرئيس من الخارج واستفسرت عن مدى صحة الخبر مستغربة الأمر. وعلى الساعة الثامنة ليلا عاد الوزير الأول الهادي نويرة من إيران فالتقيته في المطاروسألته عن رأيه في قيام الجمهورية العربية الإسلامية فأجاب غاضبا « ما فماش وحدة ما فماش وحدة « وغادر القاعة الشرفية مسرعا… والتسجيل لم يتم بثه آنذاك وأظنه موجودا إلى الآن. ومن الغد تجمعت القوى المعارضة للوحدة ثم تواترت الأحداث …
هذه برامجي الاذاعية …
اما البرامج التي اعدها وقدمها على موجات الاذاعة الوطنية قال : قدمت برنامجين الأول يهتم بنشاط الاتحاد العام التونسي للشغل والثاني يهتم باتحاد الصناعة والتجارة ولقي برنامج « صوت اتحاد الشغل » نجاحا كبيرا آنذاك وكان بورقيبة حريصا على متابعته وكنت اجمع في هذا البرنامج بين النقابات والأعراف للحوار من اجل بلوغ الحلول الممكنة وتجاوز الإضرابات واستحضر بالمناسبة تدخل الزعيم ذات مرة حيث سألني عن الحل الممكن في مؤسسة تشهد صراعا داخليا بين العمال والمدير (شركة لصنع الثلاجات) فكانت إجابتي إما أن يتم التخلي عن المدير أو التخلي عن العمال فقرربورقيبة إقالة مديرالشركة لضمان سير العمل أمام رفض العمال له بسبب عدم تجاوبه وامتناعه عن المشاركة في البرنامج وفتح باب الحوار مع العمال…
كما كان بورقيبة يتابع برنامج « عالم النور » الذي قدمته في بداية الستينات وهو من إعداد والدي يوسف المؤذن الأب ويهتم بالمكفوفين وأنشطتهم الصناعية والفلاحية وكانت الحصة حافزا لقيام الرئيس بورقيبة بزيارة فجئية إلى معهد النور ببئر القصعة والإطلاع على أوضاع المكفوفين …كما توليت اعداد و تقديم عدة برامج إذاعية وتلفزية من اهمها « سهرة و كاس تاي » و »مجتمعنا هذا » و »المجلة الاقتصادية » و »اخبار أهملها قسم الأخبار » و « لحظة من فضلك »… شغلت لفترة رئيس تحرير قسم التحقيقات بقسم الأخبار العربي .
جريدة البطل وغضب بورقيبة …
ويضيف سي المنصف في الحوار نفسه : ولما أسست جريدة البطل كان من بين الصحفيين المرحوم محمد قلبي في ركن يكتبه على صفحات الجريدة واذكر غضب بورقيبة من انتقادات الصحفي محمد قلبي وقد طلب مقابلتي وأمرني بإيقاف محمد قلبي عن العمل ، فاقترحت عليه معاقبة قلبي من خلال حذف اسمه من المقالات لمدة معينة مع عدم حرمانه من الكتابة وتواصل أجره الشهري فوافق وأجاب » هذه فكرة شيطانية ». كما غضب أيضا من الكاتبة نوال السعداوي التي تمت استضافتها في أحد البرامج الإذاعية حول المرأة لأنها لم تذكر أن بورقيبة هو من حرر المرأة في تونس وقال عنها إنها لا تعرف لا تونس ولا تاريخها .
من المسموع إلى المكتوب …
وعن انتقاله من العمل في الميدان السمعي البصري الى المكتوب قال : بعد توقف جريدة البطل عن الصدور لأسباب مالية ، عملت في مجلة الإذاعة والتلفزة كرئيس تحرير مساعد في الفترة التي تولاها كل من محمد علي الحباشي وجمال الدين الكرماوي ، وتجدر الاشارة الى ان العدد الأول من « مجلة الإذاعة » صدر يوم 15 ماي 1959 وكان الغلاف الخارجي للعدد يحمل صورة الزعيم وهو ينصت للمذياع، أما افتتاحية العدد فقد كتبها الشاذلي القليبي وقد أكد فيها أن المجلة منبر للإعلاميين وأهل الفن أما الصفحة الأخيرة فتضمنت صورة بريجيت باردو في لباس بحري بالألوان ». كانت المجلة تمثل الذاكرة الوطنية، فمن خلالها يمكن ان يطلع القارئ على طريقة العمل في الإذاعة والياته وكما أنها كانت مفتوحة لنخبة هامة من الأسماء أمثال الحبيب بولعراس والشاذلي القليبي والحبيب الشطي ورؤوف الخنيسي وحسين الجزيري وسحنون مختاروغيرهم من أهل الثقافة والمعرفة فهي تقدم صورة عن تونس بثقافتها وتراثها وتعرف بأجيال المذيعين و البرامج التي مرت بها.