اختار منتدى الفكر التونسي باريانة محور »الصحافة الادبية في تونس » لافتتاح سلسلة منابر الحوار التي يخصصها لطرح القضايا الفكرية وتقديم ابرز اعلام الفن والثقافة ،حيث استعرض الاستاذ رشيد القرقوري امس الاربعاء بالمكتبة المعلوماتية محطات من تاريخ الصحافة الادبية في تونس خلال القرنين الماضيين وتأثيرها على الراهن الثقافي المعاصر.
وتعد الصحافة الادبية في فترة الثلاثينات حسب الاستاذ القرقوري نتاجا لتنامي الوعي لدى عدد من رواد الفكر والفن في تلك الفترة بأهمية الدفاع عن الهوية التونسية ، في ظل محاولات المستعمر الفرنسي لطمسها على غرار محمود قبادو وابن ابي ضياف ومحمد السنوسي وسالم بوحاجب وغيرهم مشيرا الى الدور الذي لعبته جماعة تحت السور من امثال كرباكة والدوعاجي والخميسي ومحمد بن فضيلة في نقد المجتمع عبر انتاجات شعرية وادبية وغنائية ومسرحية رائدة رغم انتشار ما اسماه بثقافة المشافهة والشعبية التي تعتمد السرد والفداوي بالمقاهي في غياب شبه كلي للثقافة المكتوبة.
وأضاف ان مشروع الصادقية الذي اسس له خير الدين باشا اوائل القرن الماضي يعد خطوة مهمة على درب المقاومة الفكرية للمستعمر الفرنسي انذاك الى جانب انشاء المدرسة الخلدونية وجمعيات اخرى سعت الى تطوير البرامج التعليمية في اتجاه تكريس الثقافة الوطنية حيث ظهرت ابداعات ابو القاسم الشابي والطاهر الحداد لترفض الواقع مثلما رفضته الحركة الفكرية في مصر في نفس الفترة بظهور انتاجات طه حسين وعلي عبد الرازق وغيرهم ممن جوبهت اعمالهم بالرفض الى حد الاضطهاد.
ويعتبر رشيد القرقوري ان الصحافة الادبية فترة الثلاثينات ، شكلت تيارا ابداعيا غذته الصراعات والخلافات بين النخبة المثقفة التي ترجمتها الى انتاجات ابداعية ،مزجت بين الصحافة والأدب فسارع مبدعون من امثال بيرم التونسي وعثمان الغربي وعبد الرحمان الكافي وعبد العزيز العروي وكرباكة وغيرهم الى نقد الواقع بأسلوب ساخر وعميق في الان ذاته مما اثر لاحقا على الثقافة المعاصرة .
وأشار في هذا الصدد الى ان جيل الثلاثينات مهد للحداثة الفكرية والثقافية التي تجسدت اثر الحرب العالمية الثانية بإصدار مجلات مثل « الثريا » و »المباحث » لمحمد البشروش وبروز كتابات محمود المسعدي وعلي البلهوان ومحمد بن ميلاد والصادق مزيغ وغيرهم من الذين اتفقوا في مؤلفاتهم على الحداثة والانفتاح على الثقافة الغربية مع التجذر في الهوية التونسية قبل ان يواصل جيل ما بعد الاستقلال المسيرة الفكرية بأعمال مشابهة على غرار مجلة « الفكر » لمحمد مزالي والبشير بن سلامة وأيضا مجلة « الحياة الثقافية » وما تضمنتها من اقلام لأهم رواد الحركة الثقافية المعاصرة الى حد الان.
ويشار الى ان منتدى الفكر التونسي الذي تشرف عليه المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بولاية اريانة يستعيد في كل مرة ضمن سلسلة لقاءاته الشهرية مآثر الثقافة التونسية وأعلامها مع صفوة من الكتاب والباحثين والمفكرين .