فقدت تونس يوم السبت 2 مارس 2019 ، واحدا من ابرز القامات الفنية على الساحة  في تونس وهو المطرب بلغيث الصيادي ، الذي كان صاحب حنجرة ذهبية تجمع بين الطرب والمتانة ، في رصيده ثلاثون اغنية تقريبا أشهرها  » اسم الله عليك » هذه الاغنية التي كانت طالع خير عليه ، وبها خرج من « جلباب » المطرب فهد بلان ، ولكنه لم يتخلص منه ، فقد تأثر به كثيرا وخاصة في أواسط الستينات ، عندما كان فنانا هاويا يؤدي اغاني ذلك المطرب السوري صاحب الصوت الجبلي في الحفلات الخاصة والأعراس… وحتى يتعرف شباب اليوم على هذا المطرب الأصيل ننشر لكم في » بوابة الإذاعة التونسية  » فكرة شاملة عن مسيرته الفنية ، من خلال الحديث لذي نشرته مجلة » الإذاعة والتلفزة  » في العدد 1261 بتاريخ 8 مارس 2003 .

وعن بداية الرحلة الفنية التي بلغت في ذلك التاريخ 46 سنة  قال : انا أصيل مدينة بني خلاد ، بدأت الغناء في الحفلات والأعراس ذات الصلة بالأقارب والأحباب ، كان ذلك سنوات 1967 و1968 و1969 وهي الفترة الزاهرة للمطرب السوري الكبير فهد بلان ، الذي اشتهر بها وخاصة أداءه وصوته الجهوري القوي  فتأثرت به كثيرا وحفظت كل أغانيه ، وكان المدعوون يطلبون مني ترديدها في الحفلات والأعراس ، وصادف أن استمع الي الفنان عبد الحميد القبي وكان صاحب فرقة موسيقية يشرف عليها الاستاذ علي السريتي فضمني اليها كمطرب وعازف على  » آلة الكمان  » .

الانطلاقة من نجوم الغد …

ويضيف بلغيث الصيادي في حديثه : أما انطلاقتي الحقيقية في ميدان الفن فقد كانت من برنامج  التلفزي  » نجوم الغد  » الذي كان يشرف عليه الثالوث صالح المهدي وعلي السريتي ووناس كريم ، وكنا ونتمرن مع الفرقة الموسيقية للإذاعة التونسية بقيادة الفنان محمد ساسي ، وممن تخرجوا معي من ذلك البرنامج  سنة 1972 اذكر عدنان الشواشي وعايدة بوخريص ومصطفى الشارني .

من الهواية الى الاحتراف …

ويواصل الحديث فيقول : ان سألتم الله فاسألوه البخت ، فقد صادف أن لحن عازف العود بفرقة الاذاعة للموسيقى والملحن علي العيد أغنية  » اسم الله عليك  » وهي من كلمات الشاعر فاضل حرحيرة وتدرب عليها ثالوث من الفنانين وهم : احمد حمزة وتوفيق الناصر ومحمد الفرشيشي ، ولما تمرنت عليها امامه قطع العزف وصاح ( هذي كسوة بلغيث ) فسجلتها مع الفرقة ، ولما بثتها الإذاعة الوطنية لاقت نجاحا منقطع النظير ، وكانت بالفعل طالع خير علي ، إذ كانت تبرمج باستمرار في البرنامج الشهير « أغنية لكل مستمع «   ويطلب مني الجمهور اداءها في كل حفل او مناسبة اغني فيها ، وبالرغم من أن سي علي العيد لحن لي اغنية ثانية بعنوان « اعطف وارجع حن  » وهي  من كلمات الفنان عبد العزيز بن عبدالله من الفرقة الموسيقية للإذاعة الجهوية  بصفاقس ، وان كانت في نظري لا تقل قيمة عن أغنية   » اسم الله عليك  » إلا  أنها لم تعرف النجاح نفسه .

فترة ذهبية وذكريات لا تنسى …

وردا عن سؤال حول الفترة الذهبية بالنسبة اليه قال : تبقى كامل فترة السبعينات هي الفترة المزدهرة بالنسبة إلي فقد حققت فيها نجاحات مذهلة بقيت عالقة بذهني الى اليوم كما زرت فيها العديد من البلدان العربية على غرار الجزائر والمغرب وليبيا ومصر وسوريا والكويت والبلدان الغربية فرنسا وايطاليا وألمانيا وبلجيكيا وغيرها من البلدان الاخرى .

فهد بلان تونس …

وبما أن المطرب بلغيث الصيادي كان من بين اصدقائي سألته ذات مرة عمن أطلق عليه لقب  » فهد بلان تونس »  فقال لي : لقد منحتها لي في « البداية مجلة السينيما » و الناس من خلال حوار أجراه مديرها عبد المنعم سعد، ونسجت إذاعة « صوت العرب »  على المنوال فقد رحبت بي المذيعة في بداية اللقاء قائلة أهلا  » فهد بلان تونس » ويحق لي ان افتخر بهذا اللقب ، نظرا لتشابهي صوتي مع صوت ذلك المطرب العملاق صاحب الحنجرة الطربية والحضور الركحي اللافت ، وأضاف : كما اني لما غنيت امام الممثل الكبير النجم السوري دريد لحام في منوعة  » شمس الأحد  » التي كانت تعدها النشطة هالة الركبي سنة 2003 ، قال لي مازحا ( أهلا بفهد أبو الغيث الصياد) فعلقت هالة يعني صوته يشبه صوت المطرب فهد بلان وهو صياد ماهر لأغانيه ، فأجاب مازحا ذلك هو قصدي وأضاف : وهو جدير باللقب بما انهما وجهان لعملة واحدة .

المعادلة الصعبة والزوجة الصالحة…

وبالنسبة لنجاحه في المعادلة الصعبة بين الفن ورعاية الاسرة قال : بصدق انا مدين لزوجتي وأم ابنائي بالنجاح الذي حصدته فقد كانت زوجة صالحة اعتنت كما ينبغي ببناتي وابني انيس كما ينبغي خاصة واني في فترة السبعينات وحتى الثمانينات كنت كثير السفر والترحال ، وقد قاسمتني الأفراح والأتراح وكانت خير سندا لي ، وبالتالي أنا مع ذلك المثل القائل ( وراء كل فنان ناجح امرأة عظيمة ) …اما بخصوص ابنه انيس الصيادي صاحب اغنية « يا بابا الله يخليك » التي أداها مع المطرب عدنان الشواشي على ركح المسرح الأثري بقرطاج في بداية الثمانينات قال : انيس درس الهندسة الالكترونية وقد اختار العمل والإقامة في مدينة  » دسلدورف  » بألمانيا وفتح مطعما يقدم فيه الأكلة التونسية، ثم تزوج ، كما انه بقي يمارس الفن كهواية .

هكذا كانت النهاية …

في مطلع سنة 2015 أصيب المطرب بلغيث الصيادي بمرض السرطان (عافاكم الله) وكان يعالجه باستمرار تحدوه عزيمة صادقة للشفاء منه ، فكان يواصل حياته بشوشا مرحا مثلما عهدناه ، ويوم 24 جويلية 2018 دعته المطربة أمينة فاخت إلى حفلها الذي أقامته على ركح المسرح الأثري بقرطاج ، وقد طلبت من الجمهور الذي غصت به المدارج ليلتها التصفيق على هذا المطرب صاحب الصوت القوي ، فاستجاب لطلبها… وبالرغم من عزيمته القوية وعلاجه المتواصل لذلك المرض اللعين إلا انه صرعه  ، فرحل بلغيث الصيادي ولكن أغانيه ستبقى تذكرنا به ، فألف رحمة على روحه الطاهرة

بوابة الإذاعة التونسية :عبد الستار النقاطي