بمناسبة إصدار مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة « الكريديف » في الأيام القليلة الماضية، مؤلفا قيّما يحمل عنوان « موسوعة النساء التونسيات/ مائة امرأة وامرأة » وهو مؤلف جماعي ضخم، ساهم في إنجازه ثلة من الجامعيين والباحثين الأكاديميين، كان لوكالة تونس أفريقيا للأنباء اتصال مع الدكتور مبروك المناعي الذي تولى مهمة الإشراف العلمي على إنجاز هذا العمل ومراجعته والتقديم له.
وقد اعتبر المناعي مدير مدرسة الدكتوراه للآداب والإنسانيات بجامعة منوبة وعضو المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون « بيت الحكمة »، أن هذا العمل الذي صدر تزامنا مع الاحتفالات بعيد المرأة الموافق ليوم 13 أوت، يُعدّ وثيقة تاريخية هامة تؤكد الدور الريادي والفعال الذي اضطلعت به المرأة في بناء مجد تونس وحضارتها.
وبيّن أن الهدف منه هو تخليد ذكر الرائدات من نساء تونس اللواتي تميزن في مختلف المجالات عبر التاريخ القديم والحديث. وثمّن مجهودات الكريديف والقائمين بل القائمات عليه، حيث أشار إلى أن فكرة تخصيص مؤلف جامع لأعلام النساء تعود إلى أسرة الكريديف عموما ومديرته العامة الدكتورة نجلاء العلاني بوحولة، على وجه الخصوص، التي حرصت على إعادة طبع « شهيرات التونسيات » للعلامة حسن حسني عبد الوهاب وتبع ذلك تسمية شوارع بأسمائهن تخليدا لمسارهن.
وأضاف أنه ارتأى أن يكون الشكل النهائي لهذا المؤلف موسوعة شاملة تضم الأسماء التي تضمنها كتاب العلامة مع إضافة أسماء أخرى لنساء من مجالات مختلفة ممن اكتملت مسيرتهن.
وأوضح أن كتاب حسن حسني عبد الوهاب أصبح في حاجة اليوم إلى ما يكمّل المشروع الذي بدأه صاحبه، وذلك باستدراك ما قبله وبإضافة ما بعده، مشيرا إلى أنه تم الاتفاق على أن تكون الأسماء التي تضمنتها الموسوعة متوفيات لأن مسارهن اكتمل وإنجازهن دخل التاريخ.
وتحدث عن اختيار عبارة « مائة امرأة وامرأة » فبيّن أنه جمع رمزي، لا يعني حقيقة « رقميته » وإنما يعني الكثرة المنفتحة بواسطة حلقات القلة وشدّد على ان هذا الرقم يحمل دلالة مفادها أن التونسيات اللاتي يستأهلن الخلود في ذاكرة الشعب التونسي ووجدانه الجمعي كثير عديدهن.
وأضاف أن حجم المشروع واتساع مداه وتشعب مادته بحكم تنوع المجالات التي برزت فيها ريادة المرأة في تونس، اقتضى توزيع مواد العمل (المداخل التعريفية) على نخبة من الجامعيات والجامعيين.
وقد بلغ عدد الأساتذة أعضاء اللجنة العلمية العشرة وهم أم كلثوم بن حسين (منسقة محور العلوم التجريبية والطبية) ومنجي بورقو وزهية جويرو (منسقا محور الحضارة والتاريخ) ونور الدين الدقي ومنيرة شابوتو الرمادي وسامية القصاب الشرفي (منسقو محور الالتزام والنضال في الحياة العامة) وفاروق العمراني وسنيا مبارك (منسقا محور الآداب والفنون) ومحمد محجوب وسلسبيل القليبي (منسقا محور العلوم الاجتماعية والقانونية). وتولى تحرير النصوص الخاصة بكل هذه المحاور ومراجعتها ستون باحثا وأستاذا جامعيا من مختلف الاختصاصات.
واعتبر مبروك المناعي في تقديمه لهذا المؤلف أن هذه الموسوعة هي موسوعة نساء تونس « العظيمات » اللواتي أنجزن جليلات المهام وهي أيضا موسوعة نساء تونس الأخريات « العاديات » اللواتي درست آثارهن فظللن منسيات، وأولئك اللواتي تجلت نجابتهن في ما أنجبن. وأضاف « هذا كتابهن جميعا: جداتنا وأمهاتنا وعماتنا وخالاتنا وجاراتنا ومعلماتنا وسيداتنا…اللواتي أنجبن شعبنا…جميع النساء اللائي ينسى كثير من الرجال أنهم منهن ».
هي موسوعة كل التونسيات « أي اللواتي عشن بها ولم يرضين بغيرها وطنا، والتونسيات اللواتي ولدن بها ثم أبعدن عنها وبقي فيهنّ شيء منها…بصرف النظر عن الأصل والعرق والدين واللون والطبقة وغيرها » بحسب الدكتور المناعي الذي بيّن أنها اتسعت كذلك لنساء مختلفات جدا في الاتجاهات والخيارات والأهواء والرغبات ومتباينات في الحظوظ فنجد منهن الملكة والأميرة والسيدة الوجيهة المرموقة وفيهن عاملة المناجم وكذلك العالمة والفنانة وفيهن الأمية والمجاهدة التي عاشت بجسد امرأة وروح أسد.
ويجد المتصفح لهذه الموسوعة رسوما للوحات فنية جميلة بريشة كل من الفنانتين أمينة بالطيب ودرة البرجي، رافقت النصوص التي تعرّف بشهيرات التونسيات في هذا المؤلف الجديد على غرار آمنة أم الأمراء وزكية باي من الدولة الحسينية، والجازية الهلالية والكاهنة وأروى القيروانية وعلياء ببو وزبيدة بشير ووحيدة بلحاج وأسماء بلخوجة الرباعي وهايدي شكيلي تمزالي ومجيدة بوليلة وآسيا غلاب وبشيرة بن مراد وتوحيدة بن الشيخ وإيفات حداد وفتحية مزالي ومفيدة التلاتلي وصليحة وفضيلة ختمي والفنانة عليّة والزهرة فائزة وزبيدة عميرة.
كما تضمنت الموسوعة عديد الأسماء التي فارقتنا في السنوات الأخيرة من بينهن المحامية جيزال حليمي ونقيبة الصحفيين نجيبة الحمروني والناشطة الحقوقية لينا بن مهني والرسامة والمصممة ليلى المنشاري والقاضية نورة بن جراد. وتضمنت كذلك أسماء لمختصات في الهندسة المعمارية على غرار هند مرابط وهالة بوسمة.
ومن السياسيات الراحلات مؤخرا تضمنت الموسوعة أيضا اسم المناضلة السياسية مية الجريبي وكذلك السياسية محرزية العبيدي التي اعتبرت « من أهم الشخصيات النسائية التونسية ذات المرجعية الإسلامية والتي تبوأت مكانة مهمة في الحياة السياسية في تونس في السنوات الأخيرة منذ الثورة إلى وفاتها ».
وعن اختيار الجوانب الفنية للموسوعة (اختيار اللون الأسود للغلاف) وغياب بعض الأسماء الأخرى التي قد تستحق إدراجها في هذا المؤلف الجديد، الذي تم استكمال إعداده في بداية شهر جويلية الماضي، بيّن الدكتور مبروك المناعي اختيار لون الغلاف يعود لمؤسسة الكرديف مضيفا بخصوص المضمون أن فريق العمل حرص على الالتزام باتزان المواقف وموضوعية الرأي وأقرّ بأن ذلك يبقى أمرا نسبيا، وأضاف في هذا السياق « أؤكد لك أننا لم نمارس أي نوع من أنواع الانحياز بل حاولنا العمل ملتزمين بموضوعية الباحث ولم نكن واقعين تحت أي ضغط من أي نوع سواء كان سياسيا أو غيره، فالعمل هو تكريم للمرأة التونسية أيا كان انتماؤها الفكري أو غيره ».
وبيّن أن الموسوعة إطارية قابلة للتطوير والإثراء في المستقبل لتشمل كل الأسماء التي لم ترد في هذا الإصدار الأول، وأوضح أن البحوث متواصلة للحصول على معطيات تتعلق بأسماء كبرى. وأضاف لقد عملنا انطلاقا من بنك معلومات اخترنا منها مائة اسم والمشروع بني على فكرة قابليته للإثراء خاصة وان تقسيم الكتاب جاء وفق الترتيب الألفبائي.
وأشاد بمجهودات المنسقين أعضاء اللجنة العلمية والأساتذة المحررين وكامل أعضاء أسرة الكريديف الذين لم يدخروا جهدا لإنجاز هذه الموسوعة في وقت وجيز (في ظرف سبعة أشهر تقريبا) والتعريف بتونسيات « مهما اختلفن وافترقن يجمعهن جامع الوطن ويلتقين في الوطنية ».
وشدد على أن روح هذا المشروع هي إحقاق حق المرأة في تونس وتكريس ريادتها وجدارتها بالندية والمساواة، وبيّن أن « لريادة المرأة معنى خاصا يتأتى من كون السبيل للنجاح والترقي لم تكن دائما ممهدة لها قياسا بالرجل، معتبرا أن « الإشادة بها حينئذ مسألة مستحقة تمام الاستحقاق ».