بعد أكثر من خمسين سنة على وفاته يطلّ بلبل الخضراء الفنان علي الرياحي من جديد على جمهوره، من خلال تمثال فائق الإتقان يتوسط مدخل فضاء مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي بتونس العاصمة.
الحدث مثل مفاجأة سارة للجمهور الذي توافد مساء الأحد بكثافة على مسرح الأوبرا لمتابعة حفل الفنان لطفي بوشناق، ضمن إحدى سهرات مهرجان المدينة في دورته الثامنة والثلاثين.
هذه المبادرة، يقول عنها محمد الهادي الجويني، المدير العام المكلف بمسرح الأوبرا، والمنسق العام لمدينة الثقافة، إنه اختيار مدروس وتزامن مقصود فليس من باب الصدفة تركيز التمثال تزامنا مع السهرة التي يحييها المطرب لطفي بوشناق في إطار الشراكة بين مهرجان المدينة ومدينة الثقافة.
ويضيف الجويني في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء « أعلم جيدا العلاقة المتينة التي تربط الفنان لطفي بوشناق بالفنان الراحل علي الرياحي فنّيا، وتقديره لفنه ولمسيرته التي أسفرت عن ترك أعمال خالدة أثرت المدونة الموسيقية التونسية لذلك اخترت أن يغني بوشناق بحضور علي الرياحي في حركة رمزية وذات دلالة ».
وأوضح أن هذا التمثال الذي سيكون نواة لمشروع كبير كان اقترحه النقيب السابق للموسيقيين الفنان مقداد السهيلي، يتمثل في بعث متحف النجوم يضم أهم وأبرز الشخصيات الوطنية في مختلف المجالات. وبيّن أن وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي أعطت موافقتها على تجسيد هذا المشروع، مضيفا أنه سيتم تكوين لجنة فنية لتدارس مختلف الجوانب نظرا لما يتطلبه من التزامات مادية، واتفاقيات بين تونس والصين البلد المصنّع لمثل هذه التماثيل.
ومن جانبه أعرب الفنان مقداد السهيلي، الرئيس السابق للنقابة التونسية لقطاع الموسيقى، عن سعادته بأن يرى هذا المشروع النور أخيرا، مثمنا إيمان وزيرة الشؤون الثقافية بقيمة المشروع وأهميته وقرارها المضي قدما في تنفيذه بعد تعطل دام نحو خمس سنوات. كما أشاد بما لقيه من تعاون من قبل الجويني المسؤول عن فضاء مسرح الأوبرا ومدينة الثقافة، وترحابه بالفكرة.
وقال في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء « سيكون متحفا رائعا يستقطب السياح فقد حان الوقت للتعويل على السياحة الثقافية لاستقطاب السياح، فلا مجال اليوم للاقتصار على تعريف السياح على شواطئ البحر والزيت والبرتقال بل لابد من التعريف بالشخصيات التونسية وببلادنا وثقافتها وحضارتها وتاريخها ».
وأضاف متحدثا عن التصور العام للمتحف « سيستمع الزائر عند مروره بجانب التمثال إلى الغناء إذا كان تمثال فنان أو إلى مقتطف من خطاب إذا كان سياسيا، وهكذا نعرّف بالشخص ومسيرته. »
وبين أنه تم استقدام تمثال الفنان علي الرياحي من دار الموسيقي إلى مدينة الثقافة ليكون نواة تمثل الانطلاقة الحقيقية للمتحف الذي من المنتظر أن يكون مقره بمدينة الثقافة وأن يضم تماثيل لنحو 35 من الشخصيات الوطنية التونسية التي تركت بصمة خاصة في تاريخ بلادنا في مجالات مختلفة.
ووفق المصدر ذاته، لن يقتصر المتحف على عرض تماثيل الشخصيات الراحلة بل كذلك الأحياء ولن يتم الاقتصار أيضا على مجال الثقافة والفن بل سيشمل شخصيات من مجالات العلوم والسياسة والرياضة وغيرها، على غرار الزعيمين الحبيب بورقيبة وفرحات حشاد والعلامة ابن خلدون والكاهنة وأبو القاسم الشابي والهادي حبوبة وإسماعيل الحطاب وزينة وعزيزة والسيدة نعمة ومحمد القمودي وهادي بالرخيصة وعبد المجيد الشتالي وغيرهم.
وأكد السهيلي على أن « المشروع جاهز تقريبا ولابد من العمل من أجل الأجيال القادمة وترك متحف يعرف بتاريخ البلاد ويساهم في تخليد الشخصيات الهامة على غرار متاحف الشمع الموجودة في العواصم الكبرى مثل باريس ولندن وهونغ كونغ وغيرها « .
وكشف الفنان مقداد السهيلي في تصريح خص به « وات » أن المتحف سيتضمن قسما خاصا بالتكوين وهي بادرة أولى من نوعها حيث تم الاتفاق بين الجانبين التونسي والصيني على توفير تكوين للشباب التونسي في مجال صنع تماثيل الشمع للمشاهير، مشيرا في هذا الصدد إلى أن صنع هذه التماثيل هو اختصاص صيني بامتياز.
وفي هذا السياق أعرب محمد الهادي الجويني في تصريحه لـ »وات » أن بعث قسم التكوين صلب المتحف سيتم بمقتضى اتفاقية شراكة تم إمضاؤها بين تونس ممثلة في وزارة الشؤون الثقافية والصين ممثلة في الشركة المصنّعة لتماثيل المشاهير.
وأضاف قائلا « نطمح لأن نصبح قادرين على أن نكون وجهة تصديرية لهذه الأعمال الفنية نحو بلدان شقيقة وصديقة، وبذلك نتوجه نحو صناعات ثقافية جديدة ».