في بادرة أولى من نوعها، صدر هذه الأيام عن دار « سوتيميديا » للنشر والتوزيع « موسوعة الموسيقى والموسيقولوجيا في تونس » وهو ثمرة عمل مخبر البحث في الثقافة والتكنولوجيات الحديثة والتنمية بدعم من المعهد العالي للموسيقى وجامعة تونس. وقد صدر هذا المؤلف الجماعي تحت إشراف وتأطير مدير المعهد العالي للموسيقى سمير بشة وتصدره تقديم بقلم الباحث الفرنسي « جان جاك ناتيي ». ويعتبر هذا الإصدار وفق المختصين، حدثا علميا في تونس لقيمته العلمية وأسسه المنهجية.
وتتضمن هذه الموسوعة مجموعة من المقالات العلمية بثلاث لغات (الفرنسية والعربية والإنقليزية). وتتجزّأ المقالات المنشورة إلى ثلاثة محاور كبرى هي « الموسيقى منظور العلوم الإنسانية » و »تاريخ ودراسة الآلات الموسيقية » و »المقاربات العلمية والمناهج والتحليلات ».
ويستعرض الباحثون في هذا الإصدار الضخم، مساهمة تونس في المعارف الموسيقية والموسيقولوجيا طوال تاريخها من العصر الحجري الحديث إلى بداية القرن الحادي والعشرين. وقد تطرّقوا في هذا العمل الذي استمر على نحو ثلاث سنوات، وفق ما أكده الدكتور في العلوم الموسيقية سمير بشة لوات، إلى معظم المواضيع والمحاور تقريبا لا سيما تلك المتعلقة بخصوصيات الموسيقى التونسية ومميزاتها، وهي في علاقة بالأنثروبولوجيا وعلم الآثار والسينما والمسرح والدين واللسانيات والأدب والفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والعلوم السياسية وعلوم التربية وغيرها.
وتجمع هذه الموسوعة مقالات لباحثين وذكاترة جامعيين من عدة دول وعدة تخصّصات هم « نيكولا مييس » ومحمد زين العابدين و »فرانسوا بيكار » ونداء أبو مراد ومنذر عياري و »جان مارك شوفيل » وأنيس المدب و »فرانسوا ديلالاندي » و »جان باسلر » وسيف الله بن عبد الرزاق وسندة خياطي وأمين الزواري ووائل صمود وإقبال حمزاوي وفاخر حكيمة، إلى جانب حمدي مخلوف الذي أشرف على التصميم ومراجعة معايير البيبليوغرافيا.
ويقول سمير بشة عن هذا الإصدار إن نشر هذه الموسوعة التي تتناول الأسس النظرية والمنهجية للموسيقى والموسيقولوجيا في تونس في بداية القرن الحادي والعشرين، هو أمر لم يكن من السهل تحقيقه إلا من خلال إرادة حقيقية في تعاون دولي ذي اهتمام علمي رفيع المستوى.
ويهتم بشة في هذا العمل بشكل وثيق بالمسائل الناشئة عن الفكر الموسيقي اليوم، من أجل دراسة موسيقى مختلف الحضارات والفترات المختلفة وذلك بداية من التاريخ القديم إلى الفترة المعاصرة، إيمانا منه بأن عديد البحوث والدراسات في علم الموسيقى التي تم نشرها خلال القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، تتيح اليوم الفرصة لجمع الباحثين في علم الموسيقى من جنسيات مختلفة حول عدد معين من الإشكاليات التي تستحق الدراسة بمزيد من المثابرة والعمق.
ويعتبر الباحث « جان جاك ناتيي » في مقدمة هذا العمل الموسوعي أن هذا الإصدار يعدّ حدثا كبيرا في العلوم الموسيقية في السنوات الأخيرة بتونس لما يحوز عليه من مناهج بحثية وأسس نظرية قيّمة لها عدة اعتبارات معرفية. ويضيف بالقول: من المسلّمات أن البحث الموسيقي في تونس هو علم فتيّ، لكن ما نلاحظه أولاً عند قراءة هذا العمل أنه تمكن في غضون سنوات قليلة من الاستفادة من المحاور النظرية والمنهجية التي تم تطويرها داخل جامعة نجح باحثوها في أن يجعلوا من الموسيقولوجيا في تونس على قدم المساواة ولا تقل قيمة أو مكانة عن الموسيقولوجيا في بقية بلدان العالم.