« لسمر خويا » هو عنوان العرض الغنائي للصوت البدوي الجبلي والصحراوي نضال اليحياوي أصيل منطقة برقو من ولاية سليانة، وهو مكان اشتهر بتنوع خصائصه الفلاحية وكانت برقو من المناطق التي تُقبل عليها أدفاق « الهطّايا » من مناطق الجريد بتوزر وقفصة بالجنوب الغربي التونسي لحصاد ‘ »النعمة » (القمح والشعير) في « بر فريڨا » وهو الاسم الذي اشتهرت به مناطق إنتاج الحبوب في الشمال الغربي التونسي لا سيّما ولايات الكاف وباجة وسليانة وجندوبة.
عرض « لسمر خويا » هو استعادة لما يصطلح بتسميته « مسرب الهطّايا ». و »المسرب » مصطلح دارج في اللهجة التونسية ويُقصد به الطريق أو الثنايا التي كانت تجوبها الهطايا نحو حقول القمح والشعير للحصاد، فكانت تُردّد الأهازيج أثناء الرحلة لتسرد قصصا مختلفة منها ما يتعلّق بالحب والفراق والاحتفالات والمجاعة والصراع بين العروش والمقاومة والكفاح من أجل البقاء.
وفي عرضه الذي يستحضر « مسرب الهطايا » كان الفنان نضال اليحياوي وفيا إلى حدّ كبير لمعنى هذه الرحلة وهذه الثنايا، فهو عاد بجمهوره الذي حضر العرض، مساء أمس الخميس بقاعة الفن الرابع بالعاصمة، إلى المنابع الأصلية لأحد مكونات الموروث الغنائي البدوي مستحضرا أهازيج النساء والرجال الذين كانت أصواتهم تُدوّي لإدخال مظاهر البهجة على الحياة وإيقاعاتها، لعلّها تخفّف عنهم بعض مشقّة العمل ومعاناة الطريق.
بين قفصة والكاف، تجول نضال اليحياوي في « مسرب الهطايا » بين عديد الأماكن، فصدح بأغان رددها معه الجمهور ورقص على إيقاعاتها على غرار « سوق وربص » و »ساق نجعك » و »ناسك رحالة » و »هز عيونك » و »ساقوه » و »لسمر خويا ».
وتميّز العرض بمصاحبة سينوغرافيّة قامت أساسا على الإضاءة، فاستحضرت جوانب من هذه الرحلة. أما الأغاني المختارة، فقد أدخل عليها نضال اليحياوي نوعا من التجديد عندما وظف موسيقى الروك الغربية على العرض مستخدما آلة « الغيتار باص »، ذلك أن هذا النمط الموسيقي يحمل معاني الثورة على السائد والدعوة للتحرّر والتغيير، لكنه لم يُفقد العرض هويته وأصالته، بل كان بمثابة حوار بين الآلات الموسيقية التونسية كالطبل والقصبة وآلة « الغيتار باص » الغربية، وهو في جانب آخر منه، حوار بين الثقافات هدفه الخروج بالتراث المحلي نحو العالمية.